هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لقد وصلنا بعد عامين من حكم الرباعي لتونس إلى وضعية مجتمعية مفتوحة على الكثير من الممكنات الكارثية، ولكنها تبقى ممكنات لا حتمية تاريخية.
تمنع الصور النمطية التي يتداولها العلمانيون عن الإسلاميين هؤلاء "الديمقراطيون" من التفكير فيهم خارج أسطورة "الاستثناء الإسلامي" والتعارض الماهوي والجذري بين الإسلام في ذاته وبين الديمقراطية.
هذه المقاربة التفهمية ستبقى متعذّرة ما دام الهاجس"السياسوي" المباشر يمنع الإسلاميين من الحسم في الكثير من "المرويات النبوية" خوفا من خسارة القواعد الانتخابية "المتدينة".
يبدو من المشروع أن نتساءل إن كان الإسلاميون "فقط" هم من يرفض "علمنة" الدولة واقعيا –باعتبار عملية العلمنة هي واقع ثقافي معيش بصور مختلفة.
إنّ هذا المشروع "المعرفي" هو من أوكد المهام التاريخية لنخبتنا المثقفة مهما اختلفت منطلقاتها الفكرية.. ولكنها مهمّة تحتاج إلى "شجاعة" كبيرة، قد لا يملكها المسيطرون على "قطبي" الصراع الإيديولوجي عندنا.
كان غياب الولاء علامة على"اللاوطنية" التي تُبيح للنظام كل مظاهر العسف والظلم بصرف النظر عن الإيديولوجيا التي يحملها من ينتمي إلى"الفئة الضالة".
من المؤكد أن الاشتغال الطبيعي للحقل السياسي (وباقي حقول الفعل الجماعي) لن يتم من غير خطابات "توافقية" غير صدامية ولا إقصائية، وهي خطابات يجب أن تنطلق من منظورات استراتيجية تعبّرعن قناعات حقيقية وخيارات مبدئية.
رغبة العديد من المثقفين والسياسيين والإعلاميين والنقابيين في "تَونسة" السيناريو المصري للحسم مع الوجود الإسلامي داخل السلطة والمعارضة، كان يعبّر عن أزمة أخلاقية حقيقية في العقل السياسي"الحداثي..
لم يعد الإسلامي بعد الثورة مجرّد "موضوع" للصراع أو التفاوض أو التواطؤ بين النظام و"هوامشه" التي تُسمّى معارضة قانونية أو معارضة راديكالية، ولم يبق الإسلامي "مدينا" في وجوده أو في حقوقه الفردية للنخبة الحداثية داخل السلطة وخارجها.
من المؤكد أنه لا يمكن أن نختزل البورقيبية وأن نشيطنها اعتمادا على مسرد من الاعتراضات"الفقهية"، كما لا يمكن أن تؤمثل وأن نسلّم بصلاحيتها لتأسيس الجمهورية الثانية بشواهد من المكاسب الحقوقية-خاصة حقوق المرأة-.
إننا أمام واقع "متناقض"، وهو تناقض ازداد وضوحا بعد انتخابات 2014- على الأقل من جهة الأصول الأيديولوجية لأغلب المتنازعين على المرجعية البورقيبية..
النهضة ستجد نفسها في مؤتمرها القادم أمام ممكنات تاريخية ثلاثة ليس من السهل التنبؤ بآثارها ولا بتداعياتها في المستويين المحلي والإقليمي.
لقد جمع الكثير من "مثقفينا" التغريبيين، بين موقع المستشرق "التقليدي" في نظرته الاستعلائية للموروثات الجمعية التي يتعامل معها بمنطق استعماري، وبين موقع المثقف العضوي "التغريبي".
بعد الثورة، لاحظنا أنّ أغلب النخب الحداثية قد عملت على تذويب اختلافاتها الأيديولوجية وصراعاتها السياسية، حتى بلغ الأمر بها حد التطبيع مع رموز المنظومة القديمة واعتبارها جزءا من "العائلة الديمقراطية".