كشفت قوائم المتهمين في عدد من قضايا العنف في
مصر، التي تقدمها داخلية الانقلاب للنيابة، عدم وجود صلة لهؤلاء المتهمين، وأنه تم الزج بهم حفاظا على صورة الجهاز
الأمني الذي يواجه انتقادات مستمرة لاتهامه بانتهاك القانون والحريات في عمليات البحث والتحقيق.
وأخلت النيابة المصرية سبيل عدد من المتهمين الذين قدمتهم الأجهزة الأمنية؛ كمتهمين في تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية، اللذين راح ضحيتهما أكثر من 45 قتيلا وعشرات المصابين، في 9 نيسان/ أبريل الجاري.
وتورطت
الداخلية في إعداد قوائم وهمية في قضايا سابقة شغلت الرأي العام، بل وورطت السلطات المصرية في توتر علاقاتها مع دولة مثل إيطاليا في أعقاب مقتل طالبها في مصر، بالتزامن مع الذكرى الخامسة لثورة يناير، وتصفية خمسة شباب في حافلة صغيرة، بزعم أنهم مسؤولون عن عصابة لخطف الأجانب وقتلهم، ثم ثبت براءتهم، وكذب الداخلية.
"متهمون وهميون"
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي؛ قامت أجهزة الأمن بتصفية 10 شباب في مدينة العريش بشمال سيناء، بدعوى تورطهم في أحداث كمين المطافئ، الذي أسفر عن مصرع تسعة من عناصر الشرطة، لكن كشف أهالي الضحايا أنهم إما كانوا معتقلين لدى قوات الأمن بالفعل، أو أنهم مبلغ عن اختفائهم قسريا.
وقال منسق رابطة المختفين قسريا، إبراهيم متولي، لـ"
عربي21" إن "الداخلية تفتقر للمهنية في مثل تلك القضايا، ولا رقابة على الضباط الذين يقدمون تحريات خاطئة، ولو تم التحقيق في واقعة مقتل الشباب المتهمين ظلما بقتل الطالب الإيطالي ريجيني، ومحاسبة المتورطين لما تكررت"، كما قال.
وأضاف: "هناك مختفون قسريا يتم استخدامهم وقت الحاجة كمتهمين، كما حدث في قضايا مثل عرب شركس، وستاد كفر الشيخ، وحلوان 174 عسكرية، واغتيال النائب العام"، مشيرا إلى أن دلائل هذه الأفعال "تؤكد إما أن الفاعل معروف ولا يريدون له أن يظهر، أي أن الواقعة مدبرة، أو أنه غير معروف بالفعل لهم واستغلوا الضحايا ككبش فداء"، وفق تقديره.
فشل المنظومة الأمنية
وأرجع الخبير الأمني، العميد محمود قطري، سقوط الداخلية في فخ تقديم قوائم متهمين لا علاقة لهم بالقضية إلى "عدم الكفاءة في جهاز الشرطة، والتحريات غير المنضبطة؛ بسبب افتقار الضباط للتدريب الصحيح، وعدم اتباع الطرق العلمية"، مضيفا لـ"
عربي21": "أخطر ما في الأمر أن مرتكب الجريمة ينفذ بجريمته؛ ولهذا تتكرر حوادث العنف".
وأكد قطري أن "التحريات الخاطئة أصبحت مرضا مستعصيا في الشرطة المصرية، فمنذ بداية انهيارها في بداية عهد حسن الألفي ثم حبيب العادلي، إبان حكم مبارك، باتت تعتمد على أمرين، هما تلفيق القضايا، وتعذيب المشتبه بهم".
وأضاف شارحا: "في الشق الأول، كان يطلب من ضباط المباحث تحقيق عدد معين من القضايا فيضطرون لتلفيق التهم، وفي الشق الآخر، القيام بجمع أكبر عدد من المشتبه بهم، وتعذيبهم لانتزاع اعترافات سواء حقيقية أو باطلة"، وفق قوله.
وانتقد ممارسة القيادات الأمنية للضغوط على الضباط في أعقاب الحوادث الأمنية، وقال: "هناك ضغوط نفسية وإجرائية على الضباط تدفعهم لتجاوز الطرق القانونية من أجل تقديم متهمين في الأحداث التي تقع، من أجل إثبات كفاءة الجهاز وقياداته".
أساليب أمنية عقيمة
أما مدير مركز هشام مبارك للقانون، مصطفى أبو الحسن، فقال لـ"
عربي21"؛ إن "دلالات القوائم الوهمية، تؤكد أن القبض على المتهمين يتم بشكل عشوائي، وأن جهاز البحث والمعلومات لدى الداخلية لا يملك أي معلومات على الأرض".
وتابع: "نتيجة غياب المعلومات يلجأ الجهاز الأمني للقبض العشوائي وتوسيع دائرة الاشتباه، مما يؤدي إلى القبض على أبرياء وأحيانا قتلهم، دون أن يكون لهم ذنب"، بحسب تعبيره.
وعن سبب تكرار تلك الأخطاء، أكد أبو الحسن أن "النظام أخذ قرارا بعدم إصلاح هذا الجهاز، ورفع كفاءته، لذلك هو يعتمد على الأساليب البدائية في البحث عن الجناة، وتقديم أبرياء للمحاكمات نتيجة اعترافات وليدة الإكراه"، وفق تقديره.
اللجوء للقضاء
وفيما يتعلق بحقوق المدنيين الذين تم الزج بأسمائهم دون تحريات دقيقة أو صحيحة، قال المحامي بالنقض، عصام الإسلامبولي، إن "من حقهم إذا أصابتهم أضرار أن يلجأوا إلى القضاء لتعويضهم عما أصابهم".
وقال لـ"
عربي21": "هذا نص دستوري لم يتم تفعيله بقانون، ولكن كمبدأ دستوري فلهم الحق في مقاضاة فيمن تسبب في وقوع ضرر بهم"، مشيرا إلى أن "الخطأ وارد في مثل تلك الحالات، خاصة أن مصر تواجه ظرفا استثنائيا يعلمه الجميع".