قضايا وآراء

أمريكا بين قطيعتين

1300x600
 شكل تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في الثلاثين من مارس/ آذار حول مصير الأسد قطيعة مع الخطاب السياسي لإدارة أوباما التي أعلنت دائما أن الأسد يجب أن يترك منصبه في المرحلة الانتقالية أو عقبها.
 
كما شكلت الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات في السابع من الشهر الجاري قطيعة من نوع آخر مع إدارة أوباما التي وضعت خطا أحمر أمام النظام السوري الذي سرعان ما أدرك أنه خط وهمي.
 
بين القطيعتين هوة كبيرة يصعب ردمها أو تفسير أسبابها بسهولة، هل الولايات المتحدة تعيش حالة تخبط سياسي مع ترامب؟ أم أن حادثة خان شيخون أدت إلى انعطافه في الموقف الأمريكي حيال الأزمة السورية؟
 
من الصعوبة بمكان التصديق أن الصور المروعة الآتية من خان شيخون كانت وراء تغيير واشنطن لمواقفها:
 
ـ إما أن الضربة الأمريكية كانت فرصة لواشنطن لتوجيه رسائل إلى موسكو أولا، والتخفيف من حدة تصريح تيلرسون وقبله نيكي هايلي حول الأسد ثانيا، حيث أدركت إدارة ترامب متأخرة خطأ هذين التصريحيين.
 
ـ أو أن تصريحات هايلي/ تيلرسون كانتا بمثابة الفخ الأمريكي للنظام السوري وبالتالي لروسيا، ذلك أنه ليس ثمة مبرر سياسي لمثل هذه التصريحات التي اعتبرت بمثابة الخدمة السياسية المجانية للنظام السوري وروسيا، ولعل التصريحات الأمريكية حول الأسد التي أعقبت ضربة الشعيرات توحي أن تصريحات هايلي/ تيلرسون نهاية الشهر الماضي كانت متسرعة.
 
يصعب تقديم إجابة شافية عن هذه التكهنات، لكن المهم هو أن ضربة مطار الشعيرات تؤكد العودة الأمريكية إلى الملف السوري من باب إدارة الأزمة لا باب حلها.
 
غير أن هذا المتغير ليس بالشأن اليسير الذي يمكن إغفاله من الناحية السياسية، فالعودة الأمريكية حتى من باب إدارة الأزمة يعني الكثير بالنسبة لموسكو وحلفائها الذين وجدوا في الضربة الأمريكية تجاوزا للخطوط الحمر.
 
لقد انتهت مرحلة الاستفراد الروسي بالملف السوري، وانتهت معها مرحلة المعارك المفتوحة من جانب واحد، وانتهت معها أيضا مرحلة عدم الالتزامات بالتفاهمات الدولية المتفق عليها.

ويبدو واضحا أن الموقف الأمريكي من الأزمة السورية سيعتمد منذ الآن وصاعدا على تطورات الأحداث، لا على المواقف السياسية الثابتة والمسبقة كما كان الحال مع إدارة أوباما، مع ثابت واحد يبدو أنه سيحكم مرحلة ترامب كما حكم مرحلة أوباما، وهو غياب رؤية أو استراتيجية أمريكية واضحة المعالم للحل في سوريا.
 
ولعل التأكيد الأمريكي مجددا من خلال الثنائي هايلي/ تيلرسون بأن الأولوية الأمريكية هي محاربة الإرهاب دليل على غياب هذه الرؤية، وأن الهدف الحالي هو إزاحة تنظيم "الدولة الإسلامية" من المشهد العسكري كخطوة أولى للانتقال إلى المرحلة التالية.
 
لكن بعد هذه التصريحات بيومين، بدأ الخطاب السياسي للمسؤولين الأمريكيين يتخذ صبغة التماسك والتماهي، فقد أعلن تيرلسون أنه "يجب تمكين الشعب السوري من اتخاذ القرار حول الأسد وتثبيت الاستقرار للانتقال إلى الحل السياسي".
 
وذهب تيلرسون عشية زيارته إلى موسكو إلى أبعد من ذلك بإعلانه أن "عهد أسرة الأسد يقترب من نهايته"، فيما أعلن ماكمستر أن "هدف أمريكا مزدوج: هزيمة تنظيم الدولة وإزاحة الأسد من السلطة".
 
ومع ذلك، فإن مصير الأسد مؤجل زمنيا لا سياسيا، بمعنى أن إزاحته من سدة الحكم وفق القاموس الأمريكي تتطلب تهيئة المناخ السوري الداخلي لذلك، وهي عملية طويلة ومعقدة تبدأ أولا بالقضاء على المنظمات الإرهابية، لحصر الأزمة لاحقا بين الثنائي نظام/ معارضة.
 
ودعوة ترامب الدول المتحضرة في العالم للمشاركة في حل الأزمة السورية، ومن ثم تصريح هايلي بأن "الأسد يمثل جزءا من المشكلة"، انزياح بسيط في الموقف الأمريكي مقارنة بتصريحات نهاية الشهر الماضي، ومؤشر على أن الإدارة الأمريكية مقبلة على تأسيس مرحلة جديدة ستكون عملية السلام السوري جزءا رئيسا منها.
 
باختصار، يمكن القول إن الضربة العسكرية الأمريكية هي جزء من رؤية أمريكية تتجاوز الأزمة السورية، إنها مرتبطة بالقراءة الأمريكية الجديدة للعلاقات الدولية والموقع الروسي داخل هذه العلاقات، فما يحصل في سوريا يمكن أن يسمع صداه في كوريا الشمالية، وما يحدث في أوكرانيا وعلى الحدود الشرقية لأوروبا، قد يُرد عليه في أرض الشام.