تأجلت جلسة تمديد مجلس النواب
اللبناني لنفسه التي دعا إليها رئيسه نبيه بري لمدة شهر، وذلك بعد أن استخدم رئيس الجمهورية
ميشال عون صلاحياته الدستورية، معرقلا بذلك تمديد ولاية البرلمان للمرة الثالثة على التوالي منذ عام 2013.
وعلّل عون قراره بأن التأجيل يهدف إلى منح السياسيين مزيدا من الوقت للتوصل إلى اتفاق حول قانون انتخابي جديد، أخفقت القوى السياسية في الاتفاق على إنجازه.
فحوى الصراع على القانون الانتخابي يتمثل في إصرار المسيحيين على قانون يضمن وصول جميع نوابهم الأربعة وستين (نصف مقاعد البرلمان) بأصوات الناخبين المسيحيين.
حتى أن "اللقاء الأرثوذكسي" طرح قبل سنوات قليلة مقترحا بأن تنتخب كل طائفة نوابها، ولاقى الطرح استحسانا من المرجعيات المسيحية الروحية والزمنية.
إلا أن الكتل السنية والشيعية والدرزية رفضت المشروع بدعوى أنه يحوّل البلد إلى "كوكتيل شقف" أي مقسّم في العمق، وإن كان في الظاهر موحَّدا.
هذا في المعلَن، لكن المعترضين المسيحيين على سيطرة المسلمين على البرلمان من خلال نواب مسيحيين ملحقين بكتلهم، لأنهم يفوزون بأصوات المسلمين، يشككون بالنوايا، ويقولون إن ما تعلنه القيادات الإسلامية حول المناصفة في المؤسسات الدستورية بين المسلمين والمسيحيين ستبقى وهمية إذا لم يستطع المسيحيون اختيار نوابهم ترشيحا واقتراعا.
وهنا، تعلو بعض الأصوات المسلمة غير المؤثرة، لتكون أكثر صراحة، فتؤكد أن "الواقع الديمغرافي للمسيحيين الذين يشكلون نحو ثلث المواطنين لا يسمح لهم منطقيا ورقميا بانتخاب نصف نواب الأمة وفق أي قانون انتخابي عصري غير رجعي، غامزين من قناة مشروع القانون الأرثوذكسي الذي يعيد البلاد إلى القرون الوسطى"..
إلا أن الموضوعية تقتضي تعميم وصف القرون الوسطى ليس على القانون الأرثوذكسي وحده بل على التركيبة اللبنانية برمتها التي لم تتوصل منذ وقف الحرب الأهلية عام 1990 إلى صيغة حضارية تشاركية مدنية بعيدا عن المحاصصة
الطائفية الفاقعة التي تبدأ بالمراكز الأولى في الدولة، ولا تنتهي عند حدود صغار الموظفين.
وإذا كان اتفاق الطائف أقر المناصفة الدقيقة فذلك لوقف الحرب الأهلية، على أمل خروج اللبنانيين نفسيا منها والتأسيس بالتدرج لحكمٍ ليبرالي يقوم على أحزاب عابرة للطوائف والمناطق.
إلا أن التدخلات الخارجية القريبة والبعيدة أذكت الفتنة بين العائلات اللبنانية وكرست الفواصل الطائفية فيما بينها، حتى تسهل السيطرة على البلد الذي تمنحه جغرافيته المجاورة لفلسطين المحتلة بعدا استراتيجيا.
أما وقد صممت القيادات اللبنانية على إهمال الأحجام الديمغرافية، واعتماد المناصفة بين المسيحيين والموحّدين بقوانين طائفية تحفظ التوازنات، فمن غير المنطق اعتبار أي قانون لا يضمن للمسيحيين إيصال نوابهم بأنفسهم متوازنا.
وبذلك، ووفق الرؤيا القبلية السائدة بموافقة جميع الأحزاب الطوائفية، يصبح القانون الأرثوذكسي هو الوحيد الصالح وبدون تعقيدات لتحقيق المناصفة الحقيقية في القرار الوطني.
وأي قانون غيره يمارس نفاقا سياسيا أو بحثا عن غلبة معينة على قاعدة السهم المرجح للملّاك الرئيسيين للشركات الذين يصرون على امتلاك 51 في المئة من الأسهم.
من يعارض القانون الأرثوذكسي باعتباره يكرس الطائفية يبدو وكأنه لم يقرأ الدستور اللبناني الذي كرس الطائفية السياسية.
أما من يعارضه لأن المسيحيين لا يشكلون نصف السكان، فلتكن لديه الجرأة في طرح المثالثة مثلا بدل المناصفة. أما أن يبيع المسيحيون نصف مراكز الدولة ويصادر بعضها بقوة الديمغرافيا، فهذا ليس من المنطق، ولا من الشجاعة في شيء.
فليُعتمد القانون الأرثوذكسي، ولتنتخب كل طائفة نوابها، وربما يحفظ هذا لبنان من
التقسيم بعكس ما يعتقد كثيرون.