نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحافي ديفيد ريتشارد، تحت عنوان "كش ملك في
سوريا: مقامرة
أردوغان مع
بوتين لن تثمر"، يناقش فيه مستقبل الشركة التركية الروسية في سوريا.
ويبدأ ريتشارد، الذي عمل في
تركيا صحافيا ومستشارا ومدرسا، مقاله بالقول إن الشراكة التركية مع
روسيا عادت بخيبة أمل على تركيا، ولم يعد أمامها أي خيار سوى القبول بحماية روسيا للأكراد.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "عندما صالحت تركيا روسيا، وعبرت عن أسفها لإسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بدا التحرك وكأنه ضربة معلم استراتيجية، حيث أخرجت الولايات المتحدة من اللعبة الاستراتيجية في سوريا، وفتحت الباب أمام شراكة في ذلك البلد بين أنقرة، التي أصبح لديها وحداتها العسكرية في سوريا، وموسكو".
ويضيف ريتشارد: "بعد ثمانية أشهر، لم تتحول الأمور إلى شيء مثل هذا، ويبدو أن سياسة تركيا في سوريا قد ضلت طريقها وبشكل سيئ، تاركة القوات التركية محاصرة، فلم تحقق إلا القليل، وسيطرت فقط على جرابلوس والباب في شمال سوريا قريبا من الحدود".
ويشير الكاتب إلى أن "ما هو أسوأ من هذا لأنقرة هو أن الروس يقومون على ما يبدو بحماية الأكراد السوريين من التحركات التركية الرامية لإنهاء حكمهم الذاتي، وعبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا الأسبوع عن (حزنه)؛ بسبب استمرار الصلات الروسية والأمريكية بقوات حماية الشعب في سوريا، وجاء كلامه بعد نشر القوات الروسية في عفرين، الجيب الكردي المنعزل في غرب سوريا".
ويعلق ريتشارد قائلا: "ليس لأن عفرين هي أحد الأهداف العسكرية الباقية للقوة التركية، لكن لمقتل جندي تركي هذا الأسبوع في مناوشات على الحدود هناك، وردت تركيا باستدعاء السفير الروسي في أنقرة للخارجية، وعبرت عن احتجاجها الشديد لفشل روسيا في الحفاظ على وقف إطلاق النار والوجود العسكري المتزايد في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، وعلى ما يبدو لم يتم إعلام تركيا بتقدم القوات الروسية في عفرين".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم تهديد تركيا بالانتقام ضد أي هجمات من وحدات حماية الشعب، إلا أن الافتراض الذي لا يمكن تجنبه هو أن وجود الروس في المنطقة هو من أجل منح مظلة حماية للجيب الكردي المستقل في سوريا، وعليه فإن أحد دوافع تركيا عقد شراكة مع موسكو، وتحريك قواتها إلى داخل سوريا، وإخضاع الجيوب الكردية المنفصلة في سوريا، أحبط (كش ملك)".
ويرى ريتشارد أن "هناك ما هو أسوأ ينتظر أنقرة، فبدلا من أن تستمتع بشراكة معادية ضمنيا للولايات المتحدة، فإن موسكو تعمل بشكل متزامن مع واشنطن".
ويلفت الكاتب إلى أنه "قبل حوالي أسبوعين ونصف من التحرك إلى عفرين، عبرت القوات الروسية عن موقف أقوى في منبج، وهي البلدة العربية في شمال سوريا، التي يسيطر عليها الأكراد، وهي المدينة التي نظر إليها المحافظون الدينيون في تركيا، بمن فيهم الجماعة المنبثقة عن الإخوان المسلمين، على أنها الهدف المنطقي لتحركهم، وهناك انضم الروس للقوات الأمريكية لتعزيز الحماية".
ويفيد ريتشارد بأن "القوات التركية قصفت منبج والمناطق الكردية في شهر شباط/ فبراير، إلا أن الخيار قد أغلق في وجهها الآن وبشكل كامل، وفي الوقت ذاته بدأت قوات حماية الشعب بالعمل مع القوات الأمريكية للتقدم نحو الرقة، عاصمة ما يطلق عليها الدولة الإسلامية، وعلى ما يبدو تم تجاهل تركيا ولم تعط أي دور".
ويقول الكاتب: "وعليه تشكو أنقرة بمرارة من تحركات الولايات المتحدة وروسيا، وتقول إنهما تساعدان الأكراد السوريين على مواصلة (أجندتهم الخاصة)، وبعيدا عن التعقيدات السياسية فإن الجميع في أنقرة يخشون من أن الأجندة الحقيقية هي خلق كيان كردي يقود لاحقا لشبه دولة كردية مستقلة".
ويجد ريتشارد أن "التطور، وإن لم يكن مشابها للتطورات التي قادت إلى حكومة إقليم كردستان فيما بعد الغزو عام 2003، التي كان ظهورها نتاجا للتدخل الأمريكي، ففي شمال العراق استطاعت أنقرة أن تجد أرضية للتعاون مع أكراد العراق؛ بسبب المعارضة السنية للحكومة الشيعية في بغداد، بالإضافة إلى المصالح المشتركة، وهذه الظروف ليست متوفرة في سوريا، حيث تقيم القيادة والمقاتلون علاقات مع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، الذي تخوض معه الدولة التركية حربا شرسة، وتصنفه على أنه منظمة إرهابية".
ويذهب الكاتب إلى أنه "بناء على هذه الخلفية فإنه ليس غريبا أن تبدو الشراكة الروسية التركية مثيرة للخيبة، فالأمور لا تسير على ما يرام على المستوى التجاري، حيث يحاول البلدان إعادة العلاقات التي توترت عام 2015، حيث كان الروس بطيئين في تفعيل الكثير من اتفاقيات شراء المحاصيل التركية، وربما كان هذا مرتبطا بقضايا التحكم بالنوعية وغير ذلك، ومن هنا قامت تركيا في 15 آذار/ مارس بفرض تعرفة جمركية بنسبة 130% على القمح المستورد من روسيا".
وينوه ريتشارد إلى أن "هناك مستوى آخر تراجع فيه التأثير التركي، وهو الجهود الدبلوماسية، فلا تزال تركيا وروسيا وإيران الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، وعندما بدأت الجولة الثالثة من المحادثات في أستانة عاصمة كازاخستان في 15 آذار/ مارس، لم تشارك المعارضة المدعومة من تركيا، ورغم أن البيان الختامي تحدث عن محادثات بناءة إلا أن حكومة النظام حملت تركيا مسؤولية عدم مشاركة المعارضة".
ويبين الكاتب أن "حلفاء تركيا من فصائل الجيش السوري الحر غير راضية عن إطار التسوية الذي تراه غير محبذ لها، ولأنها لم تكن قادرة على تحقيق ما حققته قوات حماية الشعب، وهو القتال، فلم يعد أحد يوليها الاهتمام".
ويستدرك ريتشارد بأنه "رغم عدم تحقق نتائج للقاءات التركية، بما فيها قمة أردوغان بوتين، إلا أن هناك غيابا في النقد العام لروسيا، فالرؤية الرسمية هي عن التعاون المستمر، الذي يتناقض مع الوقائع على الأرض".
ويقول الكاتب إنه "بشكل مثير للفضول، لا تحاول روسيا تقوية العلاقات مع تركيا وتحويلها إلى شراكة قوية تهدف إلى الابتعاد عن الغرب، بشكل سيكون إنجازا كبيرا لبوتين الذي يرى الناتو عدوه اللدود".
ويختم ريتشارد مقاله بالتساؤل "عما إذا كان ذلك بسبب إجراء بوتين تفاهمات سرية مع الولايات المتحدة حول محاور التأثير الدولية، أم لأن الموقف يعكس شعور روسيا بأن تركيا تتعامل مع العلاقة بصفتها خيارا لينا في ضوء مواجهتها مع الاتحاد الأوروبي، وخلافاتها مع الولايات المتحدة، بسبب دعم قوات حماية الشعب؟".