نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتبة إيمان عمراني، تقول فيه إن قرار محكمة العدل الأوروبية السماح بحظر
الحجاب في مكان العمل هو علامة أخرى من علامات الهوس الأوروبي بالطريقة التي تلبس فيها النساء
المسلمات ملابسهن.
وتشير عمراني في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن حكم المحكمة ينص على أنه يمكن حظر الحجاب فقط كجزء من سياسة حظر أوسع على الرموز الدينية والسياسية، حيث تمت صياغته بطريقة لا تستهدف مباشرة النساء المسلمات، لافتة إلى أن مؤتمر الحاخامات الأوروبي أعرب عن غضبه، وقال إن الحكم عبارة عن رسالة واضحة مفادها أن التجمعات الدينية الأوروبية لم يعد مرحب بها، بالإضافة إلى أن المجتمعات الدينية الأخرى ستتأثر أيضا، بما في ذلك السيخ.
وتستدرك الكاتبة قائلة: "ليس هناك شك أن المسلمين هم المجموعة الرئيسية المستهدفة، ولذلك فرح اليمين المتطرف في أنحاء
أوروبا بالحكم، وقال جورج بازاديرسكي من حزب البديل الألماني المتطرف: (بالتأكيد يجب أن يسمح للشركات بحظر لبس غطاء الرأس)، وغرد النائب الفرنسي المؤيد للجبهة القومية الفرنسية، قائلا: (حتى محكمة العدل الأوروبية صوتت لصالح مارين لوبان)".
وتجد عمراني أن "الشخص لا يحتاج لأن يكون يمينيا حتى يرحب بالحظر على (لبس الشعارات السياسية أو الفلسفية أو الدينية) فيعتقد كثير من الليبراليين أنه ليس للدين مكان في المجتمع الغربي، ويقولون إنه ليس هناك تمييز، حيث أنه بمبوجب الحكم ذاته لا يستطيع المسيحيون لبس الصليب".
وتذهب الكاتبة إلى أنه "لا يمكن تصنيف الحجاب بشكل دقيق على أنه (شعار ديني) ولا يعادل حلية تعرض اعتزازك بدينك، التي يمكن تغطيتها بسهولة كي لا يشعر الآخرون بعدم الارتياح، فالحجاب بالنسبة لمن ترتديه يشكل جزءا رئيسيا من أسلوب حياتها، ويرتبط بالطريقة التي اختارتها لتطبيق دينها، وليس محلا للنقاش، فبالسماح بحظر الحجاب فإن أوروبا تسمح بحظر وجود النساء المسلمات في أماكن العمل".
وتتساءل عمراني قائلة: "هل تظن أنني أبالغ فيما أقول؟ فكر للحظة ماذا ستكون آثار حظر الحجاب في أماكن العمل، هل نظن أن النساء المتدينات، اللواتي يلبسن الحجاب، سيقمن بنزعه كل يوم عند بدء العمل؟ أنا آسفة لكن الأمر ليس كذلك".
وترى الكاتبة أن "الهوية ليست شيئا تخفيه في المساحات العامة، فلا أتوقف عن كوني مسلمة عندما أصل إلى العمل وأتحول إلى صحافية، أمارس ديني في المقصف عندما لا أختار الطعام المحتوي على لحم الخنزير، أو عندما أختار العصير بدلا من النبيذ بعد العمل، فهل لو لاحظ زملائي ذلك وتسبب لهم الأمر بعدم الارتياح فهل علي أن اضطر للتصرف بشكل مختلف؟"
وتقول عمراني: "يجب الحفاظ على الحجاب كونه حقا؛ لأنه بالنسبة لكثير من النساء يشكل جزءا لا يتجزأ من هويتهن، فإن خيرت النساء المسلمات بين دينهن والعمل في بيئة معادية لهن فإنهن سيتجنبن ببساطة الذهاب إلى العمل، قد لا ترون مشكلة في ذلك، وقد ترون أن المسلمين هم المشكلة".
وتضيف الكاتبة: "في المحصلة، بدلا من تشجيع الاندماج -وهو ما يسعى له مؤيدو الحظر- فإن هذا القرار سيؤدي إلى انقسامات أعمق في المجتمع، حيث تقرر المزيد من النساء المسلمات البقاء في مساحات يشعرن فيها بالأمن ويقل الاندماج، وسيزيد الانكفاء على النفس والاستياء".
وتتابع عمراني قائلة: "لا أريدكم أن تفهموني خطأ، أنا أريد أن أعيش في مجتمع علماني، وأعتقد أن القانون والعدالة يجب أن يكونا منفصلين عن التأثيرات الدينية، لكن أريد أيضا أن يكون الأفراد أحرارا لممارسة دينهم، دون التأثير على من حولهم، وذلك لا يعني أن نضطر للاستسلام لتعصب أولئك الذين يزعجهم منظر الحجاب".
وتلفت الكاتبة إلى أن "حجة القيم الغربية استخدمت لسنوات طويلة للسيطرة والتأثير على النساء أنفسهن، اللواتي ادعى الغرب أنه يسعى إلى تحريرهن، وخلال حرب التحرير في الجزائر عام 1958 أظهرت لوحة دعائية فرنسية صورتين، إحداهما منقبة والأخرى غير منقبة، وتحمل اللوحة الرسالة: (ألست جميلة؟ إذن أميطي النقاب)، وبالإضافة إلى ذلك قام الفرنسيون بعملية إماطة النقاب على مستوى واسع، حيث تمت إزالة النقاب عن النساء الجزائريات ليظهرن بأنهن اخترن جانب المحتل".
وتقول عمراني: "أعرف صديقات لي بدأن يلبسن الحجاب في السنوات الأخيرة؛ لشعورهن بتهديد للهوية الإسلامية، وقررن أن يتخذن موقفا مناصرا لدينهن".
وتخلص الكاتبة إلى القول: "قد يكون اليمين المتطرف، والآن المحاكم الأوروبية، نجحوا في تحويل الحجاب إلى شيء ربما أقوى من مجرد شعار ديني إلى شعار للمقاومة أيضا".