نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للمحلل جدعون راخمان، يقول فيه إن متاعب الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في موضوع "حظر المسلمين" تجعل من السهل اعتبار الفكرة كلها مجرد فكرة شاذة سيتم علاجها من خلال النظام القضائي ومحكمة الرأي العام.
ويستدرك الكاتب بأن "ذلك يشكل خطأ في القراءة، وحظر
الهجرة على رعايا سبع دول ذات غالبية مسلمة تمت صياغته بشكل سيئ، وتم تنفيذه بوحشية، لكنه عكس عداوة للإسلام وتوقا إلى الأمن والهيمنة الثقافية، ويجد مؤيدين له في طول العالم الغربي وعرضه، وليس فقط في صفوف
اليمين المتطرف".
ويقول راخمان في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "حتى لو تم سحب أو تعديل الحظر، فإنه سيكون مجرد بداية لتكرار الجهود، في أمريكا وأوروبا، للحد من الهجرة من العالم الإسلامي إلى الغرب".
ويضيف الكاتب أنه "يجب ألا يكون هناك شك بخصوص راديكالية تفكير بعض مستشاري ترامب الرئيسيين، من مستشار الأمن القومي مايكل فلين، والمستشار الاستراتيجي الرئيسي ستيف بانون، اللذين يعتقدان بأنهما يصارعان لإنقاذ الحضارة الغربية، وفي كتابه (ذي فيلد أوف ذي فايت)، الذي نشر مؤخرا، يقول الجنرال فلين: (نحن في حرب عالمية ضد تحرك مكثف لأناس أشرار، تحرك معظمهم عقيدة شمولية: الإسلام المتطرف)، ويحمل بانون آراء مشابهة، ففي مشاركة له في ندوة في الفاتيكان عام 2014، احتج بأن الغرب (في المراحل الأولى من حرب عالمية ضد الفاشية الإسلامية)".
ويعلق راخمان قائلا: "حقيقة أن أقرب مستشارين لترامب يعتقدان بأنهما في حرب لإنقاذ الحضارة الغربية أمر أساسي لفهم إدارة ترامب، حيث تساعد هذه الحقيقة على توضيح سبب وعد الرئيس في خطاب التنصيب بأن يدافع عن (العالم المتحضر) وليس (العالم الحر)، كما كان رونالد ريغان أو جون كندي سيقول".
ويعتقد الكاتب أن "هذا التوجه لفهم الغرب من منطلقات حضارية أو حتى
عنصرية، بدلا من الأيديولوجية والمؤسسات، يساعد أيضا على فهم تعاطف فريق ترامب مع روسيا فلاديمير بوتين وعدائها لألمانيا أنجيلا ميركل، فعند النظر إلى الغرب على أنه (حضارة يهو- مسيحية)، فإن بوتين يظهر بأنه صديق أكثر منه عدوا، حيث إن قرب الرئيس الروسي من الكنيسة الأوثوذوكسية، وثقافته المحافظة، وما أبداه من استعداد لشن حروب وحشية ضد الإسلاميين في الشيشان وسوريا تجعله صديقا".
ويشير راخمان إلى أنه "في المقابل، فإن استعداد ميركل لإدخال حوالي مليون لاجئ، معظمهم من المسلمين، إلى ألمانيا، يجعل اليمين الأمريكي المتطرف يعدها خائنة للحضارة الغربية، حيث وصف الرئيس ترامب سياسة المستشارة الألمانية نحو اللاجئين بأنها خطأ (كارثي)".
ويجد الكاتب أنه "مع أن خدمة (بريتبارت نيوز)، التي كان يديرها بانون، شكلت علاقات حميمة مع اليمين الأوروبي المتطرف، الذي يشاركه عداءه للإسلام والهجرة، فإن الاعتقاد بأن الغرب في صراع مميت مع الاسلام المتطرف هو ما يحرك زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، التي قالت مؤخرا إن (على واشنطن وباريس وموسكو تشكيل تحالف استراتيجي ضد الأصولية الإسلامية.. دعونا نتوقف عن المخاصمات والجدل، فإن حجم التهديد يجعلنا نتحرك معا وبسرعة)".
ويلفت راخمان إلى أن "هذه الآراء ليست محصورة في المتطرفين السياسيين في فرنسا، بل إن مرشح يمين الوسط في الانتخابات الرئاسية فرانسوا فيلون، نشر كتابا مؤخرا بعنوان (كونكر إسلاميك توتالنتيريانيزم)، أو غزو الشمولية الإسلامية، يطرح فيه آراء شبيهة بآراء فلين، حيث يقول: (نحن في حرب مع عدو لا يعرف الضعف، ولا الهدنة)، بالإضافة إلى أن وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي السابق بيير لولوتشي، نشر كتابا بعنوان (وور وذاوت إند)، أو حرب بلا نهاية، يقول فيه إن الإسلامية هي ما تعادل النازية في القرن الحادي والعشرين".
وينوه الكاتب إلى أن "الأحزاب اليمينية التي تنظر من منظور ترامب للإسلام تزدهر في هولندا وألمانيا، ومن المتوقع أن يتقدم حزب الحرية، الذي يقوده غريت وايلدرز في الانتخابات الهولندية الشهر القادم، لكن من غير المتوقع دخوله إلى الحكومة، وفي ألمانيا تقدم حزب البديل الألماني بسبب أزمة اللاجئين، ويتوقع أن يكون أول حزب يميني متطرف يدخل برلمان البلاد منذ عام 1945، ويعتقد البعض في الحكومة البريطانية بأن العداوة للهجرة من العالم الإسلامي، أكثر منها من
أوروبا، كانت خلف حالة الاستياء التي أدت إلى التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي العام الماضي".
ويبين راخمان أن "التعاطف مع نظرة بانون -فلين -ترامب للإسلام يمتد إلى أبعد من أمريكا وأوروبا، فالاعتقاد بوجود تهديد تركيبي من الإسلام المتطرف يحرك اليمين في كل من الهند وإسرائيل".
ويرى الكاتب أنه "حتى لو خسر ترامب المعركة بخصوص الأمر التنفيذي المتعلق باللاجئين والهجرة، فإنه من المتوقع أن يعود للنزاع بإجراءات جديدة؛ وذلك لأن المستشارين المقربين منه وكثيرا من مؤيديه سيبقى يحركهم شك عميق تجاه الإسلام، وإصرار على وقف هجرة المسلمين".
ويؤكد راخمان أنه "سيقع هجوم جهادي في كل من أمريكا وأوروبا وسيكون مصدر تغذية لهذا العداء، وفي الوقت ذاته فإن التوجهات الديمغرافية، التي تولد الضغط لهجرة المسلمين إلى أمريكا وأوروبا، ستزيد في السنوات القادمة، ومجتمع شمال أفريقيا المسلم في غالبيته مجتمع شاب أكثر من المجتمع الأوروبي، وينمو بسرعة".
ويخلص الكاتب إلى أن "الجدل حول (حظر المسلمين)، الذي يحاول ترامب تنفيذه لن يكون حدثا منفصلا، بل على العكس إنه مجرد البداية لمستقبل السياسة في الغرب".