المرة الأولى التي جربت أن أكتب فيها عن كرة القدم، كانت قبل مباراة مصر والكاميرون بيوم أو اثنين. كانت لحظة الحقيقة التي لم أكن أراها كما ينبغي. كرة القدم صنم حقيقي له كهنة ومطلقو بخور ومتعصبون و و و.
وقتها أعجبني فيديو للإمام الشعراوي رحمه، الله يقول فيه إن كرة القدم هي (صرف للشعوب فيما لا يفيد)، لم أكن أعلم حجم كرة القدم عند البعض إلا من ردود بعض المتعصبين الذين هاجموا الشيخ الجليل بشراسة.
كتبتُ كثيرا عن الدين البديل أو الموازي الذي أصبح البعض يعتنقه دون أن يشعر، لكني قبل تلك النقاشات الحامية التي دارت على صفحتي، لم أكن على وجه اليقين أعلم المساحة التي يحتلها صنم كرة القدم على خريطة توزيع القوى في تلك الديانة الموازية. بالطبع انهالت عليّ الاتهامات بالخيانة وبأنني لا أستحق الانتماء لمصر، وبالعمالة لمخابرات كوكب عطارد والتخابر مع وكالة فضاء كوكب نبتون وباقي التهم إياها في قائمة الاتهامات المعلبة، التي جعل منها إعلام العسكر أمرا مملا يبعث على التثاؤب.
كتبتُ وقتها عدة مقالات عن كرة القدم وكيف استحدثها الاحتلال البريطاني في المستعمرات لامتصاص طاقة المقاومة لدى الشعوب المحتلة، واستشهدت بمقالات ثقيلة الوزن كتبها مؤرخون أكاديميون على مواقع جامعية أمريكية.
أحد الصحفيين البريطانيين كتب مقالا في صحيفة بريطانية منذ عدة سنوات يقول فيه، إن أكبر حزبين في مصر هما الأهلي والزمالك وهذا دقيق إلى حد لا يُصدق. وأضيف إلى ذلك أننا نتفوق على دول العالم كله في احتياطي الخبراء الاستراتيجيين الكرويين.
في هذه الأجواء، لن تجد طفلا لا يعرف قصة (جول) مجدي عبد الغني، لاعب المنتخب السابق، والرجل لا يترك مناسبة ألا واستغلها ليذكر الشعب بالهدف الذي أحرزه في كأس العالم. حتى إن الأمر أصبح باعثا على الابتسام ومثارا للفكاهة.
كرة القدم هي أحد المكونات الكبرى لتلك العقيدة الموازية التي نعتنقها جميعا دون أن نشعر؛ فقد تربينا على مجموعة من الأساطير منذ الصغر، فالطفل المصري أذكى طفل في العالم، والمخابرات المصرية هي الأولى في الترتيب على العالم، وأخناتون هو أول الموحدين، وحرب أكتوبر تُدرس في كل العالم!!
يا سلام؟؟!!
تستطيع بسهولة أن تلمس تهافت تلك الأساطير ومعاداتها للمنطق السليم بل والدين نفسه فوق كل شيء، فالقرآن يخبرك صراحة أن آدم عليه السلام هو أول الموحدين وأطفال العالم خلقهم الله متساوين، بالإضافة بالطبع إلى فضائح المخابرات التي اتضح أنها خدعت الشعب كله بموضوع رأفت الهجان، وأن إنجازها الوحيد كان إنتاج المسلسل الناجح، بينما العدو يقوم بتشغيل الجواسيس الذين ترسلهم لخداعها وتضليلها.
ولا يجب أن ننسى هنا الصنم الأكبر، صنم أكتوبر المزيف، الذي تستطيع إن كنت تمتلك لوحة مفاتيح وعقلا متفتحا أن تكتشف حقيقته بالبحث على الإنترنت، وقراءة الأرقام الحقيقية لخسائر الجيش وعدد الأسرى الذين أسرهم العدو، وقد يبدو للبعض غير مفهوم، لماذا أتحدث كثيرا عن هزيمة أكتوبر أو تمثيلية أكتوبر.
والحقيقة أن العسكر أعادوا ترميم شرعية انقلاب يوليو 52 بأكذوبة أكتوبر، واستطاعوا عبر إخراج ضعيف أن يقنعوا الملايين بأنهم انتصروا حقيقة ليقيموا سلاما مع الكيان الصهيوني، ولتخلو سيناء من أي شيء لتكون جاهزة حتى يأتي العدو الصهيوني إليها ليعيد احتلالها.
تفكيك تلك الخدعة إذا، ليس ترفا وليس ابتعادا عن مواجهة الانقلاب، بل هو هدم لأساسات دولة العسكر، وهي معركة قد لا يفطن البعض لأهميتها.
بجانب تلك الأساطير، هناك أساطير وأكاذيب أصغر حجما، وكلها كما ترى تهدف إلى ترسيخ عقيدة الوطنية والحدود وغرسها بدلا عن الدين في نفوس الشعب، وهي أساطير قاربت على التهاوي بفعل الانقلاب الذي مثل هزة أخلاقية، جعلت الكثيرين (وأنا منهم) يعيدون النظر في كل ما حفظوه دون تفكير منذ الصغر.
اللطيف حقا في كل هذا، أنك إن وضعت (جول) مجدي عبد الغني في الميزان أمام أي من الأساطير السابقة، لأدركت أن (جول) مجدي عبد الغني هو الشيء الحقيقي في كل هذا العالم المزيف. فالرجل على الأقل لا يدعي ما ليس فيه ولا يتفاخر بما لم يفعل، ولم يتفق مع العدو ليعبر ويحتل مسافة 10 كيلومترات، ثم يدعي الانتصار في حرب تمثيلية جرى فيها التضحية بأرواح الشباب المخلصين، الذين لم يكونوا على علم بنوايا السادات أو اتفاقاته.
فكل التحية لشهداء حرب أكتوبر وللشيء الحقيقي الوحيد خلال المئة عام السابقة، جول مجدي عبد الغني!!