في نفوس أنصار الشرعية غصة من الشعب المصري، ولهذا فلم تكد تخرج المظاهرات في أربع محافظات حتى حدثت عملية ازدراء لهذا الشعب من قبل القوم، فهم لا يتظاهرون إلا من أجل بطونهم، وانتفاضتهم تفتقد للاحترام، لأنها انتفاضة من أجل القوت، فلم يثوروا للدم، وإنما انتفضوا للخبز، وعلى كل فهم أقل ازدراء من الرئيس السادات الذي وصفت انتفاضة الخبز في 18 و 19 يناير سنة 1977 بأنها انتفاضة حرامية!
لم أتعرف على أحد من جماعة الإخوان يشارك في وصلة السخرية والاستهجان، وبعض الذين يدخلون على خط إهانة الشعب باسم القضايا الكبرى، قد يكونوا لجانا إلكترونية يعملون على الوقيعة بين الإخوان والشعب، لكن لا أستطيع أن أنكر أن من بين أنصار الشرعية من شاركوا في هذه الحملة، وهناك من "أخذتهم الجلالة"، فتمنوا أن ينسى الإخوان الشعب ويتصالحوا مع السيسي حتى لو انتهى هذا الشعب!
وليس خافيا على أحد أنه يوجد بين تيار الشرعية ورفض الانقلاب من كان الانقلاب سببا في حنقهم على هذا الشعب، ولا مانع من ذكر واقعة بعينها تدل على إجرام هذا الشعب، ليتفق هذا مع "حالة الشجن"، والواقعة التي يرويها أكثر من شخص وكل منهم يقول إنها حدثت في بلدته وكان من شهودها، تتلخص في أن شابا من "المواطنين الشرفاء" قد اعترف على أحد الأشخاص بأنه إخوان، عندما هموا بالاعتداء على رجل مسن، بتهمة الانتماء للجماعة، وقد تراجعوا عندما وصل إلى أسماعهم أنه ليس إخوانيا، لكن الفتى قال إنه من الإخوان والدليل أنه يقدم "إعانة شهرية" لوالدته، وكان هذا سببا كافيا للفتك بالرجل، وقد ضبط متلبسا بالدليل على جريمته.
هل حدثت هذه الواقعة التي رويت على ألسنة البعض كل واحد منهم على حدة؟!
مهما يكن الأمر فلا شك أن كثيرا من الإخوان قد فوجئوا بحالة العداء الشعبي بعد الانقلاب، وعليها فقد اعتبروا أن هذا الشعب لا يستحق التضحيات التي قدمت من أجله، وقد كان الدكتور باسم عودة مثلا قد اعتمد على شبكة الجماعة في المحافظات لتقديم خدمات وزارة التموين للناس حتى بيوتهم، ويحكون عن حملة المؤهلات العليا من شباب الجماعة، وقد كانوا يحملون أنابيب الغاز على ظهورهم إلى شقق المواطنين، فهل حدث هذا فعلا؟ لا أعرف حقيقة، لكن ما أعرفه أن الوزير المذكور كان منحازا للشعب انحيازا بلا حدود، فكان الوزير الرمز في تاريخ هذه الوزارة!
هناك تناقض في كلام القوم فهو ينحازون للشرعية، وهذه الشرعية ليست رسالة من السماء، ولكنها تعبيرا عن إرادة الشعب، وإذا كان أنصار الشرعية يؤمنون بأن من خرجوا على الرئيس هم بالملايين على النحو الذي قدرته جماعة الانقلاب، بالحديث عن أكثر من عشرين مليون مصري وقعوا لحركة تمرد، وأكثر من خمسة عشر متظاهرا، خرجوا يطالبون بإسقاط الرئيس محمد مرسي!
الشاهد، أن الجماهير لم تخذل الإخوان والإسلاميين بشكل عام، وهذا هو مربط الفرس وبيت القصيد، فالذين خرجوا يطالبون بعزل الرئيس المنتخب باستدعاء الجيش، كانوا يعلمون أن الحديث ولو عن انتخابات رئاسية مبكرة، سيأتي بالإسلاميين في البرلمان وبالرئيس مرسي في الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي جعل الدكتور محمد البرادعي يرفض إجراء انتخابات رئاسية، كما أن جبهة الإنقاذ أعلنت مقاطعتها للانتخابات البرلمانية عندما دعا إليها الرئيس مرسي، وإلى الآن فمشكلة التيارات الأخرى في تسليمها بأن الأغلبية في الشارع مع المرشح الإسلامي، وهو ما يجعل هذه التيارات تستشعر الخطر، عندما يبدأ الحديث عن أي تسوية تقود لانتخابات نزيهة!
ولأني كنت مبكرا مع فكرة أن الرئيس يكمل دورته، فقد نصحت الجبهة بأن توافق على إجراء الانتخابات البرلمانية لتحصل على الأغلبية، ما دامت تعتقد فعلا أن الشعب ضد الرئيس، ويمكن لهذه الأغلبية أن تعدل الدستور وتجرد الرئيس من صلاحياته، فلا يكون أمامه في السنوات الثلاث القادمة إلا أن يتحدى الملل بمشاهدة روتانا سينما!
بيد أن الجبهة كانت تعلم بأن الأغلبية مع المرشح الإسلامي، وجاء الاستفتاء على الدستور، أول استحقاق في عهد الدكتور مرسي، ليؤكد هذا المعنى، لكن أحزاب الأقلية تتكلم باسم الشعب، والشعب ينكرهم، في حين أن من وقفت معهم الجماهير، لا ينامون ويستيقظون على تسفيه الشعب، الذي لا يستحق تضحيات الإخوان، فهل كانت هذه التضحيات من أجله فعلا، وهل مطروح على الجماعة سوى التصفية تماما!
في أول استحقاق انتخابي، وعند الاستفتاء على تعديل الدستور، خرجت الجماهير لتقف بالساعات في طوابير طويلة أمام اللجان لتقول في أغلبيتها نعم للتعديلات، مع أني أجزم بأن معظم من قالوا نعم وقليل ممن قالوا لا، لا يعرفون الفرق بين الدستور واللائحة التنظيمية، لكنهم أوبوا مع الإسلاميين وصدقوا أن نعم هي لله ورسوله، مع أنها الحرب والرأي والمكيدة!
لقد خرجت الملايين لتنتخب الرئيس محمد مرسي، والذين يطلبون من الشعب شيئا أكثر من هذا فإنهم يحملونه من أمره رهقا، لاسيما وانك المسؤول عن تقديم الجيش على أنه مقدس، وأنت من قلت إن الجيش انتشر في يوم 30 يونيو ليحمي الشرعية، ولا يوجد لأهل الشرعية أن يطلبوا من الشعب المصري لبن العصفور، بأن يكون مثل الشعب التركي الذي خرج يدافع عن إراداته، فهناك خلاف في موقف الزعيمين، فالرئيس التركي لم يقل كلاما كثيرا، فهذه الدبابات التي خرجت للشارع، فقدت مكانتها الوطنية، وعلى الشعب أن يتصدى لها، وفي مصر كان الأداء يستخدم المناورة السياسية في ميدان الحروب، بالقول "عندنا رجالة زي الذهب"!
ثم إن الشعب المصري وقف مع شرعية الرئيس، وكان أداء الناس في الصعيد، ليس أقل من أداء الشعب التركي، لكن الخلاف كان على مستوى أداء القادة هنا وهناك، من يقول إن أكثر من مليون متظاهر في شارع رمسيس يقال لهم انتهت الفعاليات، ومن قال إن سبعة عشر مظاهرة تكون مليون متظاهر في محافظة الإسكندرية وحدها، ينتهي بها المطاف إلى مظاهرات هاربة أمام عدد قليل من الشبيحة؛ لأن أمرا صدر بالانسحاب؟!
ومن المسؤول عن إدارة ثورة بواسطة "ألفة الفصل"، فإشارة تنهيا لطوفان البشري ليصبح هذا الزحام لا أحد، ثم يقال بعد ذلك إن الهدف من هذا الطوفان هو التوصل إلى تسوية، مع أن فض المظاهرات بالإشارة قاد عبد القادر عودة لحبل المشنقة، مع أن الرجل كان يقدم خدمة جليلة لجمال عبد الناصر بإشارته، لكن العقلية المتأمرة، لم تهضم الأمر بسهولة ودفع عودة الثمن!
إن جماعة الإخوان المسلمين لها وجود في عشرات الدول، وهي تنظيم كبير، ومن الطبيعي الخشية على هذا الكيان الكبير، فماذا سيفيده إن كسب مصر وخسر بريطانيا، وشهادة البريطانيين لهم بأنهم جماعة معتدلة بالدنيا وما فيها، وإن كانت كل ما ستحققه استمرار حالة الدعة للإخوان في مدينة الضباب.
وموقف الجماعة هنا مقدر ومفهوم، لكن ما يؤخذ عليهم أنهم بعد الانقلاب رفعوا لواء الثورة، ولم يكن بداخلهم ذلك، وكان عليهم أن يضعوا الأنصار في الصورة، بحدودهم وما يهدفون إليه ثم يتركوا للجماهير حرية الاختيار، وهذا ليس موضوعنا!
فالموضوع هو أن الشعب لم يقصر، وهناك الشبيحة الذين اعتدوا على المتظاهرين في حماية الأمن، لكن هؤلاء الشبيحة ليسوا هم الشعب المصري، وهناك أقلية انتخبت المرشح المنافس ضد الدكتور محمد مرسي، ومن الطبيعي أن يكونوا ضدك، لكن الأغلبية كانت معك، وإذا فقدت إيمانك بها، وعلى أساس أن الشعب المصري يستحق الحرق، ولا يجوز للإخوان أن يضحوا من أجله، وأنه لا يتحرك إلا من أجل بطنه، وباعتبارك أنت فقط تتحرك في سبيل الله وابتغاء مرضاته، فانتبه إلى أن المعركة هي من أجل الشرعية التي يمنحها الشعب، فإذا اعتقدت أن الأغلبية لم تعد معك، فلا تتحدث بعد اليوم عن الشرعية!
ما رأيكم دام فضلكم؟!