أكثر ما يميز انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين
المصريين، التي ستجري في مارس المقبل من هذا العام، هو محاولة اختلاق موضوع، في مشهد يفتقد لذلك؛ فهي انتخابات تفتقد للعنوان وللموضوع معا.
في الأسبوع الماضي، أُغلق باب الترشيح لانتخابات تجري على نصف مقاعد المجلس المكون من (12) مقعدا، كما تجري على موقع النقيب أيضا، والمعركة الأشد كما هي العادة على الموقع الأخير في كل انتخابات، والتي هي محصورة بين وكيل النقابة السابق، "عبد المحسن سلامة"، والنقيب الحالي "يحيي قلاش"، وهما ينتسبان للصحافة القومية، حيث يعمل الأول بجريدة "الأهرام" بينما يعمل الثاني في مؤسسة دار التحرير، فلم يحدث أن فاز بموقع النقيب من يعمل في الصحافة الحزبية أو الخاصة، وإذا كان يقال في الأفراح " العروسة للعريس والجري للمتاعيس"، فإن "المتاعيس" هم في الصحف الخاصة والحزبية، وقد أغلقت الكثير من الصحف الحزبية في السنوات الأخيرة، ليزداد أعداد المتعطلين، بدون حل لمشكلتهم، وإن كانوا يصبحون مع كل انتخابات وقودا لها، تداعبهم الآمال العريضة بأن هذا المرشح دون غيره قادر على حل مشكلة تعطلهم بدون وعد ممسوك!
اللافت أن "الأنصار" هم الذين وضعوا عنوان المعركة الانتخابية، بين طرفيها، وللدقة فإن "أنصار" أحدهم هم الذين اختاروا العنوان للمرشحين بديلا عنهما، فمرشحهم قريب من السلطة، وبعيد عن السياسة، وبالتالي فإنهم مع أن تكون نقابة "خدمية"، فقد أرهق النقيب الحالي النقابة بدخوله في معارك عنترية ضد السلطة، لأنه أرادها نقابة سياسية، مما كان سببا في تمزيق الجسور الممتدة مع أهل الحكم، والصحفيون يريدونها نقابة "خدمية" لا سياسية، هكذا يقولون!
وإلى الآن، لم يعلن الزميل "عبد المحسن سلامة" عن برنامجه الخدمي، الذي سيحققه إذا فاز في هذه الانتخابات، فالأجيال الجديدة، تسمع عن الخدمات النقابية، التي كان يقدمها المرشح الحكومي لمقعد النقيب دون أن تستفيد منها، مع العلم أن السلطة لم تعلن مرشحا لها كما كان يحدث في الانتخابات التي أجريت في عهد مبارك، والتي تكون بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا الشهري، أو بقطع أرض من أراضي الدولة، أو بشقق من محافظة القاهرة ووزارة الإسكان، أو بمدافن وقد صار الحصول على قبر غاية لا تدرك!
وإذ كانت الحكومة تعد بزيادة "بدل التدريب" هذا، فإنها كانت تحرص على القول بأنها قررته في جميع الأحوال، وعندما سقط مرشحها "صلاح منتصر" ونجح مرشح الاستقلال "جلال عارف"، فإن البدل المقرر كوعد انتخابي للأول استفاد منه الصحفيين مع نجاح الأخير، بل إن زيادة البدل في عهد "عارف" كانت لأكثر من مرة وبدون طلب منه، فالسلطة كانت في هذه المرة حريصة على "مد جسور الثقة" معه، وقد منحته عشرين مليون جنيه لتمويل صندوق المعاشات وسداد ديونها للبنوك، وكانت قد بدأت السحب على المكشوف!
"نقيب الجسور الممدودة"، كان شعار "إبراهيم نافع" الذي لازمه منذ أن ترشح لأول مرة لموقع نقيب الصحفيين، في سنة 1984، وتبادل الموقع لأكثر من عشرين عاما مع "مكرم محمد أحمد"، إذ ينص قانون النقابة على أن دورة النقيب عامين، ولا يجوز للنقيب أن يشغل الموقع لأكثر من دورتين. وإذا كانت النقابة تفخر بأنها مستقلة عن السلطة، فقد أراد "نافع" أن يثبت أن الاتهام في حقه بأنه مرشح حكومي لا يضيره، لأنه وباعتباره "نقيب الجسور" مع السلطة يستطيع أن يحصل منها على امتيازات للصحفيين ، بما لا يمكن أن يحصل عليه النقابي الطبيعي!
وقد حصل في الدورات التي شغلها على الكثير من الامتيازات فعلا، وغابت الشفافية عند توزيعها، فالامتيازات التي يعلن عنها وتمنح أيضا بعيدا عن قواعد الشفافية، هي أقل من التي حصل عليها فعلا، فغير المعلن كان يوزع على من كان يطلق عليهم "المليشيات" والمؤلفة قلوبهم، إذ كان يؤمن دائما بأن لكل صحفي سعرا، يبدأ من "الأجندة" السنوية، وينتهي بإلحاقه بالعمل بـ "الأهرام"، واستطاع أن يسيطر على المشهد الصحفي، لدرجة أن يخوض الانتخابات بقائمة ضمت صحفيين مهنيين ورؤساء تحرير لصحف معارضة، وفي العهود السابقة كان هناك رجال دولة ينتمون للسلطة، وهم يختلفون عن رجال الأمن الذي تمددوا في المشهد في عهد جمال مبارك، وهذا ما خفف من وطأة الإحساس بمولاة السلطة عند انتخاب مرشحها.
فإبراهيم نافع بحكم كونه رئيسا لمؤسسة صحفية كبرى هي "الأهرام" كان يقدم تسهيلات في طباعة الصحف الحزبية، ولم يكن يدير الأمور وفق قواعد الأمن، وكانت الأمور مركبة وليست بسيطة بالشكل الذي يريح العقل الكسول، فحمدين صباحي مثلا، فاز وهو المعارض الناصري لعضوية نقابة الصحفيين على قوائم "إبراهيم نافع"، وكان الأقرب لـ "صباحي" زميله "الناصري" ومرشح الاستقلال المنافس لنافع "جلال عارف"، وفي الانتخابات السابقة لهذه الانتخابات، فإن "عارف" كاد أن ينجح، بعد أن أصدر "سمير رجب" كاتب السلطة تعليماته لمن يعملون في مؤسسة "دار التحرير" التي يتولى أمرها بانتخاب "جلال عارف" نكاية في "إبراهيم نافع"، وهو ما اكتشفه "نافع" في منتصف نهار يوم الانتخابات، فاتصل بالرئاسة، التي وبخت "رجب" على فعلته، فذهب للنقابة ليجلس مع "إبراهيم نافع" في حديقة النقابة بالمبنى القديم، وكانت رسالة بالموقف الجديد، لمن لم يدلي بصوته بعد من صحفيي دار التحرير!
وقد يبدو غريبا للبعض، أن حملة صحفية ضد "سمير رجب"، كان يقف وراءها "إبراهيم نافع"، لأن "رجب" طمع في منصبه عندما أقترب من الوصول للسن القانوني للإحالة للمعاش، ومعلوم أن "نافع" استمر في موقعه بالمخالفة للقانون لأكثر من خمسة عشر عاما!
زواج المتعة بين النقابة والسلطة على يد إبراهيم نافع، كان سببا في أزمة النقابة الحالية، التي لم تعمل في سنوات الرخاء على تحقيق الاستقلال المالي، فظلت تعتمد في تمويل صناديقها ومنها صندوق المعاشات على وزارة المالية، ولم يكن مقدرا لها أن تحقق الاستقلال عن السلطة، وإذ ارتفع من يوصف في الوسط الصحفي بأن عدد كتاب مقالاته أكثر من عدد قرائها إلى الرمز الصحفي المهيب، بما ضمن له الفوز المستمر بموقع نقيب الصحفيين، وارتكب ما عرف بإفساد الجدول ليضمن النجاح؛ فقد كان الثمن فادحا.
لقد شهد عهده قيد السكرتيرات، وغير الصحفيين في جداول النقابة، ولدرجة أنه قيل في عهده: لا يوجد من يعمل بمؤسسة "الأهرام"، ولو بعيدا عن المجال الصحفي لم يتم قيده في النقابة، إذا استوفى الشكل الخاص بالحصول على مؤهل دراسي عال، وهو من شروط العضوية في نقابة الصحفيين بحسب قانون النقابة.
عندما تحول إبراهيم نافع إلى قيمة، فإن من يختلف معه لم يجد من يحنو عليه، وإذا حمل عليه الصحفي بـ "الأهرام": "موسي جندي" كاشفا تدميره للنقابة ولـ "الأهرام"، وكتب مقالا حمل عنوان "بلاغ للنائب العام"، فإن هذا المقال لم يجد طريقه للنشر حتى في صحف اليسار الذي ينتمي إليه "جندي"، وإذا اعتمد صاحبنا على المنشورات التي كان يوزعها على الصحفيين ضد هذا الفساد، فقد أصدر نافع قرارا بمنعه من دخول "الأهرام"، وخذله الكتاب الكبار في المؤسسة مثل "لطفي الخولي"، فمات مكلوما!
والذين يتحدثون الآن على ضرورة أن تعود النقابة "خدمية" كما كانت في العهود السابقة، وباعتبار أن هذا لن يحدث إلا بالعودة لنقيب "الجسور الممدودة"، هم يبنون تجربتهم على سمعوه!
فإذا كانت هناك امتيازات كان يحصل عليه جميع الصحفيين مثل تخفيض أسعار الطيران، وعدد من المكالمات الهاتفية المجانية (ربما لا يزال هذا الامتياز قائما حتى الآن) فإن الامتيازات الأخرى كان توزع على أصحاب الصوت العالي، ولأسباب انتخابية، فيحصل أحد الصحفيين على أكثر من قطعة أرض من الأراضي الممنوحة للنقابة، ويحصل آخر على أكثر من عشرين شقة من الإسكان الشعبي، بينما يموت أحد الزملاء ويترك أبناؤه في الخلاء، بعد أن باع شقته للإنفاق على علاجه في فترة مرضه!
لا علينا، فربما يعتقد البعض أنه يستطيع تحقيق حضورا نقابيا يجعله من الذين يفوزون بالامتيازات، لكن فاتهم أن زمن الامتيازات قد ولى زمانها، ليس لانتهاء زمن إبراهيم نافع، ولكن لأن السلطة الحالية، لا ترى نفسها بحاجة إلى كسب رضا نقابة الصحفيين أو غيرها من النقابات أو الأحزاب، وهناك نقابة جديدة أنشئت هي نقابة الإعلاميين ستطالب بالمعاملة بالمثل وهذا حقها!
في تقديري أن الحديث الآن عن نقابة خدمية في مواجهة نقابة سياسية، هو كلام لا محل له من الإعراب، فالسلطة لم تعلن مرشحا لها، ولا يوجد من بين المرشحين من أعطته الحكومة امتيازا، أو وعد بامتياز، فحديث الامتيازات يطلقه الأنصار فقط، وهو نوع من التضليل الذي يمارس في الحملات الانتخابية، فالمنافس الآخر ليس مشغولا بفكرة النضال، وموقعة اقتحام قوات الأمن للنقابة فرضت نفسها عليه، وعندما احتشد الصحفيون في نقابتهم وأجبروا مبارك على إسقاط قانون الصحافة 93 لسنة 1995، لم يقل لهم أحد أن هذا ادعاء للنضال أو الدخول في معركة مع السلطة سيخسر بسببها الصحفيون.
وأنصار فكرة "نقابة الخدمات" مطالبون بذكر ما حصل عليه الصحفيون من هذه السلطة، في عهد النقيب "ضياء رشوان" وهي النقابة الوحيدة التي ذهب مجلسها ونقيبها للقصر الرئاسي لبيعة "المؤقت" عدلي منصور، وتأييد الانقلاب العسكري الذي وقع في يوم 3 يوليو. فالواقع أنها لم تحصل على شيء!
وإذا كان يتم تقديم "يحيي قلاش" من أنصار المرشح "عبد المحسن سلامة" على أنه من جماعة النضال، فاللافت أن المحسوبين على النضال من أعضاء الجمعية العمومية يتهموه بالتخاذل فلم يواجه السلطة بقوة بعد واقعة اقتحام قوات الأمن للنقابة وبدا مترددا ومتلعثما بعد إحالته واثنين من أعضاء المجلس للمحاكمة!
اللافت مع حملة الاستقطاب هذه أن القضايا المهنية اختفت، وهي التي تعد الفريضة الغائبة في هذه الانتخابات!