لم أكن أتوقع أن ينتهي شهر العسل سريعا بين عبد الفتاح
السيسي ومن مثلوا لثورته المضادة غطاء ثوريا، وإن كنت توقعت أن ينقلب السحر على الساحر من أول يوم، لكن ليس بهذه السرعة!
قبيل الانقلاب، وجهت عدة رسائل، محملة بدروس الماضي، إلى من وصفتهم بأولادي المغرر بهم، من ثوار يناير الذين مهدوا للانقلاب، وحذرتهم من أن السيسي سوف ينقلب عليهم، لكن لم أنتبه في هذا الوقت المبكر إلى أنه لم يكن مغررا بهم، وإنما كانوا يتآمرون على الثورة مع سبق الإصرار والترصد، وكان أمر حمدين صباحي كاشفا عن ذلك وهو يوصي أنصاره بألا يسأل أحدهم من بجواره في مظاهرات (30 يونيو)، إن كان من فلول نظام مبارك، فالمعركة -كما رسمها- ليست مع أعضاء الحزب الوطني "المنحل"، ولكن مع الإخوان المسلمين!.
بيد أن العسكر، وقد اختطفوا الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، ونكلوا بالإخوان، وارتكبوا المجازر في "رابعة وأخواتها"، انقلبوا الآن لينكلوا بمن وقف معهم، وخانوا الثورة بالغيب.
في الأولى، فإن معشر الثوار المتقاعدين كانوا في فرح مقيم؛ لأن الدبابة تسحق خصومهم، والآن، فإنهم كمن دخل جنته وهو ظالم لنفسه، ثم أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها!
أكتب هذه السطور بعد أقل من ساعة من واقعة القبض على خالد يوسف، عضو برلمان السيسي، المخرج السينمائي في مطار
القاهرة، وبحوزته عقار "زانكس"، وهو دواء يستخدمه المرضى النفسيون، وقد قرأت للطبيب النفسي الدكتور أحمد عكاشة نفيا من أن يكون هذا العقار مخدرا، كما نفى أن يتحول تعاطيه إلى إدمان ما دام يؤخذ بحسب الجرعة التي يقررها الطبيب المعالج، وإن كان "زانكس" في الجدول بالصيدليات، وبالتالي يجرم بيعه وحيازته دون تذكرة من طبيب متخصص!
وقد سبق هذا أن حرض جهاز أمني سيدة للإيقاع به، وتسريب مكالماته معها، على نحو كاشف بأنه يجري تصفيته سياسيا، ثم جرى تسريب فيديو جنسي له، ومعلوم أن الذي يمكن أن يقوم بذلك من حيث الرصد والتسجيل هو الأجهزة الأمنية. وفي السابق، كانت هذه الأجهزة تدخر هذه التسجيلات؛ إما للابتزاز السياسي، أو لوقت الحاجة إليها، وعندما جرى اقتحام مقار مباحث أمن الدولة بمعرفة عبد الفتاح السيسي، وبغطاء ثوري، بعد ثورة يناير مباشرة، تبين أن هناك تسجيلات لنشطاء لم تستخدم!.
وعندما تم القبض على أحد رجال الأعمال وتسريب فيديوهات جنسية له في عهد مبارك مع بعض النساء، وكانت أشهرن راقصة شهيرة، كان معلوما أن هذه الفيديوهات في حوزة الأجهزة منذ عدة سنوات، لكن لم تتم إذاعتها إلا عندما وقع خلاف بين رجل الأعمال وجمال مبارك، وإذ مات أحد الوزراء السابقين كمدا عندما علم بفيديو لابنته مع رجل الأعمال هذا، فإن فيديو آخر لم يتم بثه، واستخدم لإسكات وزير سابق، كان لا يتوقف عن سب مبارك الأب أمام الجميع، ويصفه باللصوصية، كما حدث ذات مرة في مطار القاهرة عندما طلب من الضباط أن يفتشوا حقيبته؛ لأنه ليس لصا، وإنما اللص معروف!
مرة واحدة تورط جهاز أمني في التوزيع المجاني لكاسيت جرى تسجيله لفنانة مشهورة، كان قد تشكك هذا الجهاز ونظرا لاتصالاتها بأفراد من الخارج، بأنها قد تكون خيطا لقضية تجسس، وعندما تبين أنها علاقات خارج هذه الدائرة، تم توزيع التسجيلات على بعض المقربين من الجهاز، ليسروا بها عن أنفسهم!
واللافت أن الحكم العسكري أصبح يجد في الذين مثلوا غطاء ثوريا لانقلابه من المشاركين في 25 يناير عبئا عليه، فقد قرر التخلص منهم مبكرا، حيث اعتقل بعضهم، ثم يتفرغ الآن لاغتيال البعض الآخر معنويا، مع كل ما قام به "خالد يوسف" من إنجاز لإثبات أن الانقلاب العسكري في (3 يوليو) كان تدخلا من الجيش؛ استجابة لمطلب الملايين الذين شاركوا في (30 يونيو)، وقد قدمت له القوات المسلحة طائراتها لتوظف كل مهاراته السينمائية، للتأكيد على أن (30 مليون)
مصري شاركوا بالمظاهرات التي خرجت تطالب بإسقاط الحكم المنتخب!.
وما يجري مع خالد يوسف لا يمكن النظر إليه بمعزل عن حملة الإبادة الإعلامية التي تتم عبر قناة "صدى البلد" ضد بعض النشطاء وأعضاء حركة (6 أبريل)، واتهامهم بالتمويل من الخارج، مع أن هؤلاء النشطاء وهذه الحركة أيدوا الانقلاب العسكري بالباع والذراع، وخرجوا لتفويضه لمواجهة الإرهاب المحتمل، فكانت المجازر التي ارتكبت في "رابعة" و"النهضة" و"الحرس الجمهوري" وفي أحداث "مسجد الفتح"!
لم يتعظ أحد بدروس التاريخ، التي كانت ماثلة أمامي طوال الوقت، وظن البعض أنهم "الفرقة الناجية"، فبتغييب التيار الإسلامي، تخلوا الساحة السياسية إلا منهم!
قديما حدث الانقلاب العسكري في سنة 1952، الذي قرر حل الأحزاب السياسية، وإقامة المحاكم الاستثنائية، وأيد مجلس الإرشاد هذه القرارات الاستبدادية؛ لأنها ستحل حزب الوفد، وهو حزب الأغلبية الجماهيرية، ولأن المحاكم الاستثنائية تقرر أن يحاكم أمامها قتلة حسن البنا، فدار الزمن دورته، وإذا بقرار حل الأحزاب يشمل جماعة الإخوان، وإذا بالعسكر يخلون سبيل رئيس الوزراء السابق إبراهيم عبد الهادي وغيره ممن أدينوا في جريمة قتل البنا، وتم تقديم الإخوان ليحاكموا أمام المحاكم ذاتها!
إن الاستبداد لا أمان له ولو صفا، ولم يتعظ خالد يوسف ومن معه بذلك، لسبب بسيط؛ وهو أنهم لا يعرفون دروس التاريخ، فصاروا بدورهم درسا.
إنهم العسكر أيها الغبي!