نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها هبة صالح، تقول فيه إن اللقطات التي نشرتها وزارة الداخلية
المصرية، تظهر جثثا ملطخة بالدماء لعدة رجال في شقة، وأسلحة متناثرة حول جثثهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الوزارة ادعت بأن المشهد ناتج عن اشتباك مسلح بين قوات الأمن المصرية ومقاتلي
تنظيم الدولة، بعد أيام من تفجير
العريش، الذي تسبب بمقتل ثمانية أفراد من الشرطة، مستدركا بأن عائلات الرجال تصر على أن الصورة مفبركة، حيث يقولون إن أبناءهم قتلتهم الشرطة، بعد أن كانوا معتقلين لديها لمدة أشهر.
وتقول صالح إنه في الوقت الذي ينتشر فيه الغضب في العريش، عاصمة منطقة شمال
سيناء، فإن أقارب ستة من الرجال العشرة الذين قتلوا في شهر كانون الثاني/ يناير، يهددون بأن يبدأوا عصيانا مدنيا، لافتة إلى أن هذا يعد تعبيرا نادرا عن الغضب في منطقة تعاني من المشكلات، وتعد ضرورية في معركة مصر ضد تنظيم الدولة وأمن حدودها مع إسرائيل.
وتضيف الكاتبة أن عمليات تنظيم الدولة في مصر محصورة في معقلها في شمال سيناء، لكنها تبقى التهديد الأمني الأقوى الذي يواجه الدولة، مشيرة إلى أن التنظيم قام بقتل المئات من الجنود والشرطة، وتمكن أحيانا من توجيه ضربات قاسية خارج مناطق وجوده.
وتلفت الصحيفة إلى أن التنظيم تمكن من زراعة قنبلة عام 2014 على متن طائرة مدنية روسية في مطار شرم الشيخ، تسببت بسقوط الطائرة، ومقتل 220 شخصا كانوا على متنها، مشيرة إلى أن الجهاديين يشكلون تهديدا لإسرائيل، حيث قام مسلحون من سيناء بإطلاق عدة صواريخ "غراد" تجاه إسرائيل هذا الشهر، وتم التصدي لهذه الصواريخ، ولم توقع أذى.
ويكشف التقرير عن أن ردة الفعل التي نتجت عن مقتل الرجال الستة تظهر كيف أصبح المدنيون محاصرين بين الجيش والتنظيم في حربهما المستعرة، حيث يقول علي عبد العاطي، الذي كان ابنه البالغ من العمر 25 عاما من بين القتلى: "يجب محاسبة المسؤولين عن قتلهم"، وحذر من أنه إن لم يحصل ذلك، فإن "أيا كان سيستطيع استغلال غضب الشباب هنا في الاتجاه الخطأ"، ملمحا إلى احتمال استغلال المتطرفين لغضب الشباب في سيناء لمحاولة تجنيدهم.
ويضيف عبد العاطي للصحيفة أن ابنه وخمسة شباب آخرين كانوا مسجونين منذ أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ويتابع قائلا: "لم يسمح لنا بأن نراه عندما كان معتقلا، لكننا سمعنا من خلال جهات اتصال بأنه يخضع للتحقيق فقط".
وتنقل صالح عن النائب عن المنطقة حسام الرفاعي، قوله إنه يجب إجراء تحقيق مستقل في مقتل الرجال؛ لتهدئة مخاوف الناس في المدينة، وأضاف الرفاعي: "هناك شباب كثيرون معتقلون وعائلاتهم الآن قلقة، ولذلك نقول إن التحقيق ضروري".
وتنوه الصحيفة إلى أن منطقة شمال غزة منطقة صحراوية واسعة، لها حدود مع قطاع غزة ومع إسرائيل، ولطالما عانت من الفوضى وإهمال الحكومة ونشاط المهربين، لافتة إلى أن الجهاديين بدأوا نشاطهم في سيناء بصفتهم مجموعة محلية تستهدف إسرائيل، لكنهم كثفوا من عملياتهم ضد الأمن المصري عام 2013، بعد أن أطاح الجيش بالرئيس المنتخب، وبايعت المجموعة عام 2014 تنظيم الدولة، وأصبحت تعرف بـ"ولاية سيناء".
ويفيد التقرير بأن الجهاديين ركزوا هجماتهم في الأشهر الأخيرة على مدينة العريش، بعد أن تم تشديد الإجراءات الأمنية في منطقة الشيخ زويد، وهي بلدة تقع على بعد 35 كيلومترا شرق العريش، التي كانت مركزا للعنف، حيث يقول سكان العريش إنهم الآن يعيشون مع صوت إطلاق النار، والخوف على أنفسهم من الوقوع في حالة من العنف.
وتورد الكاتبة نقلا عن مصطفى سنجر، وهو صحافي من سكان العريش، قوله: "توقع أي شيء هنا، فلا شيء مضمونا، ويمكن لرصاصة أو قذيفة طائشة أن تصيب أي شخص، والاعتقال قد يتم في أي وقت، وهذا يجعل الناس خائفين؛ لذلك فهم يقللون من حركتهم، وهناك ضحايا مدنيون كل يوم".
وتذكر الصحيفة أن "المسلحين يستخدمون السيارات المتفجرة والقنابل الصاروخية لمهاجمة الحواجز ومحطات الشرطة، ويزرعون المتفجرات، التي تقتل المدنيين، على الشوارع، بالإضافة إلى أنهم يستهدفون الأقلية المسيحية، حيث قام من يشتبه بكونهم متطرفين بإطلاق النار على أستاذ قبطي في شمال سيناء يوم الخميس، فأردوه قتيلا، وتعد هذه الحادثة الرابعة من نوعها في غضون أسبوعين".
وبحسب التقرير، فإن الجيش والشرطة يردان على الهجمات بالقيام بحملات تمشيط واسعة، واعتقال أعداد كبيرة لفترات طويلة، وعادة لا يسمح للمعتقلين بالاتصال بالعالم الخارجي، بالإضافة إلى شن عمليات، بما في ذلك غارات جوية على أهداف يفترض أنها جهادية، مشيرا إلى أن هذا العنف اضطر الكثير من الناس للنزوح عن قراهم، تاركين خلفهم بيوتا مدمرة وحقول الزيتون المخربة؛ بحجة الاشتباه في استخدامها مخابئ من المتطرفين.
وتنقل صالح عن الزميل في مركز دراسات التطرف في جامعة جورج واشنطن، مختار عوض، قوله إن
الجيش المصري حقق "نجاحات كبيرة" ضد الجهاديين، مستدركا بأنه من الصعب تقدير مدى قربه من قمع التمرد.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول عوض: "شهدنا تقدما متزايدا في مرات عديدة، كما شهدنا تراجعات كبيرة.. لكن المشكلة فيما يتعلق بقتل الشباب في العريش الآن تشير إلى وجود شرخ كبير، فيجب أن تكون هناك ثقة متبادلة بين الشرطة والشعب؛ حتى تنجح استراتيجية مكافحة التمرد".