بين الفينة والأخرى، يتناقل النشطاء أنباء
المعتقلين وأحوال أسرهم، وبين الحين والآخر تنطلق استغاثات الأهالي وأبنائهم المعتقلين؛ تشكو مرارة الحال.
ومؤخرا، تناقل النشطاء رسائل بعث بها معتقلون وعائلاتهم. وفي رسالة مطولة حصلت عليها "عربي21"، يقول المعتقل محمد (تحتفظ "عربي21" باسمه الكامل): "هحكلكم عن الموضوع بتاع المعتقلين بصراحة إزاي الناس دي عيشة وبتصرف على أهلها وبيوتهم".
العصر الذهبي!
ويضيف محمد في رسالته: "في بداية الحبسة يعني من قرابة تلت سنين وكام شهر كدا ممكن نسمي الفترة دي العصر الذهبي، أغلب الناس كانت منتظمة في زيارتها الأسبوعية، وللعلم المعتقل ليه زيارة واحدة في الأسبوع. وكان كل واحد بيجيب في زيارته ماشاء الله أكل يكفي زنزانته وزيادة كمان، كنا بنخدها ونوزعها على الزنازين اللي معندهاش زيارات، كانت الناس فكره الموضوع كام شهر والدنيا هتخلص، لذلك كل واحد كان بيصرف من القرشين اللي محوشهم برا".
تراكم الديون
وتابع متأسفا: "لكن بعد مرور أشهر ولم يحدث شيء وبدأت تحويشة العمر تنفد، ومفيش دخل قادم، خاصة إن الناس اللي اتفصل من شغله واللي شغله وقف واللي تراكمت عليه ديون، حتى أصحاب الشركات شركتهم قفلت وبقى عبء على أسرته بدل ما يكون عائل لها. وبالفعل بدأ الوضع يكون صعب جدا، وبدأت الزيارات تخف فبقي اللي بيجوله كل أسبوع بقا يجوله كل أسبوعين، واللي كان بيجيب زيارة تكفي زنزانته وزيادة بقت مبتكفيش حتى زنزانته وبقا يكمل الطعام بأكل التعين اللي هو أسوأ من أكل الحيوانات".
قلة الزيارات
وفصّل محمد في موضوع الزيارات، قائلا: "بعد مرور الوقت أكثر أصبح هناك ناس بتزور كل شهر أو شهرين أو أكثر، بسبب إن أهلهم مش قادرين يتحملوا مصاريف الزيارة، وبقا اعتماد زنازين كتير على أكل التعيين، وبقت الناس بتكح تراب، وازداد الوضع سوءاً مع الوضع الاقتصادي الزفت اللي عيشاه البلد".
آثار اجتماعية سيئة على الأسر
وعن الآثار الاجتماعية لذلك، تقول الرسالة: "وعلى أثر ده للأسف في ناس أهلهم ماتوا، لأن هما اللي بيصرفوا عليهم ومبقوش لاقين يجيبوا علاجهم، وناس طلقت زوجاتهم لأن هما مش قادرين يصرفوا عليهم، وناس أولادهم الصغيرين سابوا المدارس وبيشتغلوا علشان يصرفوا على بيتهم، وناس زوجاتهم هما اللي نزلوا يتمرمطوا ويشتغلوا علشان يصرفوا على الأولاد".
أعمال يدوية
وتضيف الرسالة: "دلوقتي بقا مفيش زنزانة مفيهاش ورشة بتعمل أي حاجة علشان يبيعوها للي معاهم في السجن علشان يوفروا أي مصاريف لأهلهم، وناس جيبين خرز بيقعدو طول الليل تتمئأ عنيهم علشان يعملوا أي مشغولات يبيعوها كهداية، وناس جيبه كورشيه وبتعمل بوكيهات ورد يمكن حد يشتريها منهم، والبعض والله العظيم بيغسل هدوم الناس علشان يصرفوا على بيوتهم وطبعا مفيش غسالة وإيديهم اتقطعت من كثرة الكلور والمساحيق".
معتقلون يعانون وأهالي يتوجعون
وذكر محمد عدة حالات، قائلا: "ذلك الشاب الذي يئس من أي وسيلة فاتجه لتجارة المخدرات ليكفي حاجة بيته، هتقولي جنائي ده؟ هقولك لا والله ده سياسي! الناس اللي بتكلم عليهم دول اغلبهم تعليم جامعي وكانوا محترمين أوي برا يعني".
وقال: "كان في واحد جايين له زيارة بعد غياب شهر جايبين له بجنيه عيش وعلبتين جبنه لأن باقي الفلوس اللي معاهم مواصلاتهم وهما مروحين، واحد لمحه زميله في الزنزانة بيبكي في زاوية فأصر وضغط عليه ليخبره بما يحزنه فأخبره بأن له ثلاثة أبناء في الجامعة اثنين وواحدة في الثانوية وأمهم ولا يوجد في البيت غير 20 جنيه".
كما يتحدث عن معتقل آخر، قائلا: "ذلك الشاب بعد خروجه من أقبية تعذيب أمن الدولة، وكان قد اختفى لمدة 40 يوما. اتصلت بأمه تلك الطيبة لأخبرها أنه أصبح في السجن ويمكنها زيارته، فقالت لي بالنص: يا بني هي المواصلات للسجن تكلف كام؟ قلتلها بعض الجنيهات. فقالت لي مفيش أرخص من كدا حتى لو كان مُتعب؟ ومن همها نسيت أن تسأل عن حال ابنها. وجت اول زيارة بكيس بقسماط بـ2 جنيه".
وتابع محمد: "والله عندي الناس بأسمائهم وتفاصيلهم، ولولا الإحراج لنشرتها، بل والله هناك من القصص والحكايات ما هو أبشع من ذلك، ولولا أنه يجرح أكثر منه يوضح لنشرته، وهذا ليس وقوفاً على الحقيقة، بل هذا جزء بسيط؛ فضلا عن الحقيقة التي في حاجة إلى دواوين لتوثيقها".