استقر رأي غالبية فلسطينيي الخارج على الاجتماع على القواسم المشتركة، من أجل خدمة قضية شعبهم، الذي أضناه الاحتلال وأنهكته المنافي.
دعوة اللقاء المرتقب نهاية الشهر الجاري في اسطنبول مصدرها شعبي، وهدفها كذلك، فقد بلغ السيل الزبى، وضاقت أرض العرب والغرب بالفلسطينيين، بل إن كثيرا منهم قضى في مصارعة أمواج البحار أملا في النجاة، بينما ساستنا منقسمون بين مراهن على مسار سياسي أثبتت التجربة عدم واقعيته وزاده
التنسيق الأمني فشلا، وبين طامح في مقاومة يحاصرها القريب قبل البعيد.
وتحت وطأة المعاناة التي يئن منها الشعب
الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم، العدو منه والصديق، يسعى منذ سنوات وسطاء لطرح مبادرات مصالحة داخلية من ضمنها فرض شروط الاحتلال والاعتراف به، وهي مبادرات تقر الأمر الواقع وتنهي حق العودة لملايين الفلسطينيين، وتطوي صفحة الحلم بالدولة وبالقدس والأقصى.
وقد ضاعف من وضعنا البائس هذا، انشغال
العمق العربي والإسلامي، بقضاياه الداخلية، بل إن بعضهم انشغل بشعبنا وقضيته هروبا من مواجهة مشاكله الداخلية، وبدا كما لو أن الاحتلال قد تفرد بالشعب الفلسطيني، ولم يعد يقيم وزنا حتى للمجتمع الدولي الذي توحد مؤخرا بشكل غير مسبوق في رفع الصوت عاليا بأن كل المسارب السياسية باتت غير مؤدية، وأن الحلول بما فيها حل الدولتين قد غدا حلما غير قابل للتحقيق، مثلما أن الحل العسكري تأكد بالملموس أنه لم يحقق الاستقرار ليس للاحتلال فحسب، بل للمنطقة والعالم بشكل عام.
ومع أن صور المأساة التي نراها على شاشات العالم "المتحضر"، وهي تنقل قوافل المهاجرين الذين لفظتهم أرض العرب وبحارها، إلا أن ذلك لم يخمد إرادة الحياة الفلسطينية، داخل الخط الأخضر، حيث تقف النساء قبل الرجال في حماية الأقصى وحراسته، ولدى أهل الضفة وهم يكابدون الحواجز الأمنية والجدار الذي قطّع أرحامهم، ولا حتى لدى أهل القطاع الذين مضى على حصارهم فوق الأرض وتحتها ما يزيد عن العشرة أعوام، ومات أبناؤهم بردا.
من إرادة الحياة الفلسطينية هذه، العودة إلى الشعب لإشراكه، في تقديم الرأي والمشورة عن سبل تفعيل مؤسسات بناها بدمائه، وغدت أثرا من بعد عين لا تصلح إلا للذكرى والتأسي.
ولقد انتبه الفلسطينيون، وهم يخوضون معركة إنهاء الاحتلال، إلى أن الشتات الذي يفوق عددا وزادا فلسطينيي الداخل، والذي أقعده اتفاق أوسلو عن ممارسة دوره المعهود، يمكنه أن يبعث الحياة ليس فقط في المحافل الدولية وتذكيرهم، بأن احتلال أرض الغير بالقوة مخالف لكل القوانين، وإنما في التفكير من على هامش المؤسسات الثاوي بعضها خلف أسوار الاحتلال أو تحت عباءة السلطة، وبالصوت العالي وأمام العالم أجمع وبحضور شعبي، في أفضل السبل الكفيلة بتقديم قضيتنا للعالم.
هذه ببساطة جوهر فكرة المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي اختار منظموه، وهم من مختلف المشارب الفكرية والسياسية والدينية، شدّ الرحال إليه نهاية الشهر الجاري في مدينة اسطنبول التركية التاريخية بعد أن ضاقت بلاد العرب بفلسطين وأهلها.
وفي كل الأحوال فالفلسطينيون هم أكثر الناس إيمانا بقول ابن الرومي:
ولي وطنٌ آليت ألاّ أبيعه
وألّا أرى غيري له الدّهر مالكا