سياسة عربية

حكاية فندق نينوى أوبروي بالموصل من زمن صدام إلى "الدولة"

أجرى التنظيم حفل افتتاح للفندق بعد السيطرة عليه قبل نحو ثلاثة أعوام- أرشيفية
عندما سيطر تنظيم الدولة على فندق نينوى أوبروي في شرق الموصل، استبدل بزبائنه من أثرياء العراق نوعا آخر من النخب، تمثل في مقاتلين أجانب ومفجرين "انتحاريين" يعدّون من أثمن ما لدى التنظيم من أفراد.

وأدت سيطرة الجيش العراقي على المجمع المدمر -الذي أعاد التنظيم تسميته فندق الوارثين- إلى حرمانهم من موقع استراتيجي يتيح رؤية شاملة لمختلف أنحاء المدينة مترامية الأطراف.

ومع ذلك، يقف مبنى الفندق المكون من 11 طابقا، وتحيط به أشجار النخيل، تذكارا حيا على الأخطار العديدة والمستقبل الغامض، في الوقت الذي تستعد فيه القوات العراقية لتوسيع نطاق هجومها على تنظيم الدولة إلى غرب الموصل، فيما سيمثل معركة أصعب بكثير.

ويقع المجمع -الذي أصبح فناؤه في مرمى قناصة تنظيم الدولة ومنفذي الهجمات بقذائف المورتر المتحصنين- على الجانب الآخر من نهر دجلة، الذي كان مشهده يسر الناظرين من نزلاء الفندق وهم يقفون في شرفاته.

ولم تفت هذه الحقيقية المزعجة على الجنود العراقيين، الذين تسوقهم أقدامهم إلى غرف الفندق في الأدوار العليا لرصد المواقع المعادية في الشطر الغربي على الجانب الآخر من النهر الذي يشطر مدينة الموصل إلى شطرين.

امتلأت الستائر بثقوب أحدثتها طلقات الرصاص من فعل قناصة تنظيم الدولة، ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون إن أشد المقاتلين بأسا وفتكا في صفوف التنظيم هم المقاتلون الأجانب المسموح لهم بالإقامة في الفندق مكافأة لهم على خدماتهم.

وكان الفندق الأصلي يتكون من 265 غرفة، وبني في الثمانينات ليسد حاجة أصحاب النفوذ خلال عهد صدام، بمن فيهم ضباط الجيش والمسؤولون الحكوميون ورجال الأعمال، الذين يكافئهم النظام على ولائهم لحزب البعث.

وقد تهدّم في الاشتباكات الأخيرة أحد القصور السابقة لصدام، ويقع على جزيرة في نهر دجلة. وآل قصر آخر على مقربة إلى المصير نفسه.

قائمة الطعام 
  

استولى تنظيم الدولة على الفندق عام 2014، وعرض صورا لمقاتليه مع زوجاتهم في بهوه وساحته؛ احتفالا بإعادة افتتاحه، علما بأن الفندق كان يوصف في السابق على الإنترنت بأنه مصمم تصميما أنيقا يتيح تقديم خدمات خمس نجوم كاملة.

ومنع التنظيم تناول المشروبات الكحولية في الفندق، لكن لا تزال بقايا أقراص مسكنة وحقن استخدمها المقاتلون قبل المعركة وبعدها موجودة.

وتظهر صور قديمة منشورة في إعلانات على الإنترنت أجنحة فاخرة بأسرة كبيرة الحجم، وقاعات للمؤتمرات، وحوضا كبيرا للسباحة، وممرا مسقوفا للتسوق، وساحة للعب البولنج. وكل هذه الصور تتناقض تناقضا حادا مع ما حاق به من دمار في الوقت الحالي، وفقا لـ"رويترز".

وعند المدخل المؤدي إلى النادي الصحي تقبع قذيفة صاروخية، ويتناثر الزجاج المكسور، حيث دمرت منشآت الساونا والجاكوزي.

وعكف جندي -طلب عدم نشر اسمه- على دراسة الأثاث المحطم والمقاعد التي تكوّم بعضها فوق البعض الآخر في الطوابق السفلى، وذلك بحثا عن خيوط لكيفية عمل التنظيم في الفندق.

وأضاف قائلا: "المؤتمرات كانت تعقد في هذا الطابق. لا بد أن قيادة داعش عقدت اجتماعات هنا لبحث استراتيجيتها"، مستخدما اختصارا شائعا لاسم التنظيم.

وكان للتنظيم قائمة أسعار خاصة لمطعم الفندق ومقهاه مطبوعة على قوائم بلاستيكية بسيطة للأسعار. وكان مشروب الكابوتشينو يباع بما يعادل دولارا واحدا تقريبا.

ولم تكن الأسرة موجودة بغرف الفندق، وقال جنود عراقيون إن "المتطرفين باعوها في السوق مع بدء انهيار دولة الخلافة التي أعلنوها تحت وطأة الهجوم الذي تدعمه ضربات جوية يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة".

وبذل قادة التنظيم من جانبهم أقصى ما في وسعهم للحفاظ على الروح المعنوية عالية، حسبما يتضح من نسخة لصحيفة دعائية محلية تركها صاحبها في الفندق. وتقول عناوين الصفحة الأولى إن العمليات أسفرت عن مقتل المئات من القوات العراقية.

وسلط عنوان آخر الضوء على الهجوم على ملهى ليلي في اسطنبول في ليلة رأس السنة.

ولا توجد بادرة على إعادة فتح الفندق قريبا؛ إذ يتوقع أن تشتد ضراوة القتال في غرب الموصل.

وحتى لو هزم التنظيم في الموصل كلها، فمن المتوقع أن يشن حرب عصابات في العراق.

ويبدو أن أحدث نزلاء الفندق -وهم الجنود العراقيون- اعتبروه قضية خاسرة، فخلفوا وراءهم الأطباق المصنوعة من مادة البولي ستايرين الرغوية (الفوم) وبها وجبات فاسدة من اللحم والأرز ظلت على أرضيات الحجرات منذ أسابيع.

وفي بعض المناطق كانت آثار تغوّط البعض واضحة.

وأمام الجنود مسألة أخرى أكثر إلحاحا عليهم أن يهتموا بها، وهي أن المتطرفين يراقبونهم من الضفة الأخرى للنهر، لتظل حالة الاضطراب لمن هم على ضفته الشرقية بفعل هجمات المورتر والطلقات النارية.