نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب توني باربر، تحدث فيه عن فراغ السلطة في
ليبيا، الذي جعلها مسرحا للقوى الدولية، ومصدرا للمهاجرين.
ويقول الكاتب: "بطريقة لم ينته إليها أحد ابتلع البحر 246 مهاجرا في الخمسة العشرين يوما الأولى من شهر كانون الثاني/ يناير، كانوا يحاولون عبور البحر المتوسط باتجاه أوروبا، وجاءت هذه الأرقام من منظمة الهجرة العالمية، التي قالت إن 210 أشخاص ماتوا في البحر في الفترة ذاتها من عام 2016، فمنذ بداية العقد الحالي مات أكثر من 13 ألف مهاجر في وسط البحر المتوسط، وليس غريبا أن يوصف بأنه أكبر مقبرة في العالم للمهاجرين".
ويشير باربر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "قادة
الاتحاد الأوروبي، باستثناء بريطانيا، التي في طريقها للخروج من الاتحاد، سيجتمعون في مالطا يوم الجمعة من أجل الاتفاق على طريقة معالجة هذه المشكلة الطارئة، ففي العام الماضي توصلت إلى اتفاق مع تركيا، حقق بعض أهدافه السياسية القصيرة، وخفض عدد المهاجرين الذين تدفقوا إلى جنوب شرق أوروبا، إلا أن احتمالات التقدم في وسط البحر المتوسط إن كان سيحصل تقدم في وسط البحر المتوسط ليست جيدة".
ويجد الكاتب أن "المشكلة الجوهرية هي انهيار الدولة الليبية بعد ثورة عام 2011، والتدخل الغربي للإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي، وتعرف الحكومات الأوروبية أن انهيار ليبيا والديناميات غير المنتظمة للهجرة الأوروبية يجعلان من التوصل إلى اتفاق يشبه الصفقة مع تركيا أمرا غير واقعي، إلا أن أوروبا تعترف بوجود شريك ليبي، وهي الحكومة التي تحظى بدعم من الأمم المتحدة في طرابلس، وللأسف القول إن التعاون ما هو إلا من نسج خيال الاتحاد الأوروبي".
ويبين باربر أنه "من ناحية، أدى انفجار ليبيا إلى توسيع فرص مهربي البشر، فمن بين 181 ألف مهاجر عبروا وسط البحر المتوسط في العام الماضي، بدأت نسبة 90% منهم رحلتهم من الشواطئ الليبية التي وصلوها عبر الصحراء من النيجر، ولا تسيطر حكومة الوفاق الوطني في طرابلس على الصحراء الجنوبية في البلاد، وتعتمد مجتمعات كاملة في المنطقة وعبر الحدود في النيجر على تهريب المهاجرين".
ويلفت الكاتب إلى أن الدبلوماسي الألماني الذي يقود جهود الأمم المتحدة في ليبيا مارتن كوبلر، وصف البلد بأنه "السوق البشرية" للمهاجرين، حيث يقوم المهربون بنقل الإرتيريين والنيجيريين وبقية الأفارقة إلى السواحل الليبية ويبيعونهم في أماكن على قوارب مطاطية منفوخة وغيرها من القواربط المتداعية.
ويستدرك باربر بأنه "رغم أن بعض القوارب تصل إلى الشواطئ الليبية، إلا أن معظمها يغرق في مياه البحر المتوسط، ووصل خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى الشواطئ الليبية نصف مليون قارب من هذا النوع، وبحسب مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة ديمتريس أفراموبولوس، فإن هناك 300 ألف مهاجر ينتظرون على الشواطئ الليبية الفرصة المواتية لاجتياز البحر باتحاه أوروبا".
ويقول الكاتب: "لو وطئت أقدامهم التراب الإيطالي فإنهم سيكتشفون أن الاتحاد الأوروبي لا خطة واضحة لديه لتوزيعهم على أنحاء أوروبا، أو ترحيلهم مرة أخرى إلى بلادهم، وقد يسمعون المسؤولين الإيطاليين وهم يشتكون من مواقف دول الاتحاد الأوروبي التي تركتهم وحدهم ليواجهوا المشكلة بأنفسهم دون أي مساعدة".
ويضيف باربر أن "ما هو أسوأ من هذا أن ليبيا تنزلق نحو حروب داخلية فوضوية، ويورط فراغ السلطة الدول الأجنبية فيها، بشكل يجعل من خطة الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجرة حبرا على ورق".
وينوه الكاتب إلى أن "العنصر الرئيس في النزاع هو الجنرال السابق خليفة
حفتر، الذي أقام معقل قوة له في الشرق الليبي، ويحظى بدعم كل من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي الفترة الأخيرة روسيا، وأقام صلات مع فرنسا".
ويخلص باربر إلى القول: "يصور حفتر نفسه بالمعارض للتطرف الإسلامي، وهو موقف قربه من الكرملين، وقد يكون جذابا لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، وفي حال قررت واشنطن تحويل دعمها عن الحكومة في طرابلس، فقد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه متفرجا على المشكلات في ليبيا، التي ستورد الفوضى من المنطقة، مع أن مهمتها هي تصدير الاستقرار إليه".