كتاب عربي 21

ليالي الرعب في أوغندا؟!

1300x600
لا أعرف ما هي قيمة المناصب الكبرى إذا كان شاغلوها يشعرون بالرعب والخوف حتى الهوس، وحد ارتكاب الفضائح بمخالفة الأعراف والتقاليد الدولية، بالحرص على اصطحاب الحرس بالأسلحة، كما جرى من عبد الفتاح السيسي، الذي أراد حراسه الدخول معه إلى القاعة التي شهدت مباحثاته مع الرئيس الأوغندي بالقصر الرئاسي في العاصمة الأوغندية "كامبالا"، فما الذي يخيف الزائر المصري إلى هذا الحد؟!

الخوف هو ما صار يحكم تصرفات عبد الفتاح السيسي، الذي وإن كان ينتمي للقوات المسلحة، فإن حراسه من "البودي جارد"، في سابقة لم تعرفها مصر، فحرس الرئيس المصري، هم من سلاح الحرس الجمهوري، وهم من ضباط الجيش، ولا تمنع التقاليد من وجود عناصر فيه من ضباط الشرطة. وحتى الرئيس المدني الوحيد، لم يأت بأناس من خارج القوات المسلحة لحراسته.

والحرس الجمهوري حمى الرئيس السادات، التزاما بالتقاليد العسكرية، عندما حدث صراع على السلطة مع أركان حكمه، وبحسب وزير الحربية الفريق محمد فوزي، أنهم في معركتهم مع السادات لم ينتبهوا للحرس الجمهوري الذي هو جيش آخر. ذلك بأن ولاءه في الأصل ليس لوزير الدفاع أو رئيس الأركان، ولكن لرئيس الجمهورية مباشرة!

ولم يتصرف "الحرس الجمهوري" في عهد الرئيس محمد مرسي وفق التقاليد العسكرية، فقد شاهدنا قائده في مقابلات تلفزيونية يتفاخر بأنه سلم قائده الأعلى لمختطفيه، وهو أمر يسقط الثقة والاعتبار ويمثل إهانة لقيم العسكرية وليس مدعاة أبدا للتفاخر، إلا في ظرف تاريخي تمجد فيه الخيانة، وتعتبر من صالح الأعمال!

خطأ الرئيس محمد مرسي، أنه لم يختر قائد الحرس، وترك هذه المهمة لعبد الفتاح السيسي، ورفض الاستجابة لنصيحة مخلص بتغييره، ومن هنا كان ولاء القائد لمن اختاره، وهناك روايات لم أتحقق من صحتها، تفيد أن الرئيس طلب من قائد الحرس القبض على عبد الفتاح السيسي، لكنه أخبره أنه لا يملك التسليح المناسب لمواجهة الجيش، وعندما أبدى صغار الضباط استعدادهم للدفاع عن الرئيس، رفض حفاظا على الدم المصري!

هي رواية إخوانية عموما، فالشاهد أن آخر لقاء للسيسي مع الرئيس قبل الانقلاب العسكري بيوم واحد، كان يجلس في حضرته منكمشا كما هي العادة، وفي جلسة توحي بأن مسلسل الخديعة لا يزال مستمرا!

لم يبق عبد الفتاح السيسي على قائد الحرس بعد جريمته، ويبدو أنه أحيل للتقاعد، وهذا من سنن الحكم في عالمنا العربي، فالحاكم لا يبقي بجواره على قائد عسكري رآه في لحظة ضعف، ولهذا أقال السادات محمد عبد الغني الجمسي من منصب وزير الحربية، بعد نزول الجيش وإحباط ثورة الخبز في يناير 1977، كما أن من سنن الحكم ألا يبقي حاكم بجواره من له سوابق في الخيانة، حتى وإن كانت الخيانة من أجل الحاكم الجديد؛ ذلك بأنها في الأصل مرض، يجري في عروق الخائن مجرى الدم، ولعل هذا المشهد هو الذي جعل السيسي لا يأنس إلا إلى "بودي جارد"، لا نعرف من أين جاء بهم، وإن كان هذا لا يمنع من وجود أشخاص، من القوات المسلحة، منهم هذا الشخص الذي لا يفارقه، ويمشي بجانبه كخياله، ومع أنه يبدو قوي البنيان فقد هزم في موقعة أوغندا ومن الحراس الأوغنديين الذين لم يكونوا يتمتعون بالصفات التقليدية لمن يعملون في مهنة الحارس: ضخم الجثة عريض المنكبين!

وقد كان الهاجس الأمني يسيطر على مبارك، منذ أن رأى السادات غارقا في دمائه، كما أنه تعرض للعديد من محاولات الاغتيال، لكنه عندما يكون في لقاء مع ضباط القوات المسلحة، فإن من يشاهد هذه اللقاءات لا يلحظ وجودا لحراسه، على العكس من عبد الفتاح السيسي، الذي يحدث أن يصلي في المناسبات مع رجال القوات المسلحة، و"البودي جارد"، في ظهور مبالغ فيه وكاشف عن الفزع الذي يعيشه، فما هي ضرورة وجود "حارس" بينه وبين شيخ الأزهر، وبينه وبين رئيس الحكومة؟ فهل يتوقع من هؤلاء غدا مثلا، والمكان جرى تأمينه، وليس مسموحا بالدخول بأسلحة أو حتى بالهاتف الجوال؟!

هذا الحضور الأمني، إن دل على شيء، فإنه يدل على أن الخوف الذي يتملك السيسي هو حالة مرضية، لدرجة أنه لا يلقي اعتبارا للرأي العام وهو يرى هذه الصورة غير المسبوقة. ويعزز من حالة الفزع لديه، هو التأويل القديم لرؤياه الأربع، فهو وإن كان في هذه الرؤى شاهد السادات بما يوحي أنه سيصبح رئيسا مثله، فالنهاية مفزعة، ولهذا نشاهده لا يجلس في المنصة في لقاءاته، وإنما يدير الحوارات من القاعة، وقد قتل السادات في المنصة. وهذه الحالة اصطحبها معه إلى أوغندا، فكان ما وصفته إحدى الصحف الأوغندية بـ "القتال" بين الحرس الأوغندي وحرس السيسي، الذي حرص على الدخول معه إلى داخل القاعة التي ستشهد مباحثات مع الرئيس "موسوفيني"، وبالمخالفة للتقاليد والأعراف الدبلوماسية والدولية.

فهذه القاعات، وتلك اللقاءات، لا يدخلها – أولا – الحراس المصاحبون للضيوف، حيث تقع عملية تأمينهم بالكامل على الدولة المضيفة، وأن أي كلام عن حضور أمن خاص بالضيف بالسلاح يمثل إهانة لا تغتفر!
ولا يجوز – ثانيا- لحراس الضيف أن يدخلوا إلى هذه القاعات مسلحين، وإذ بدا الحرس الأوغندي لا يمانع في دخول حرس السيسي، فإن الاعتراض انصب على الدخول بالأسلحة، ويبدو أن جماعة السيسي أرادوا فرض الأمر الواقع بالتزاحم، وكأنهم في لحظة تزاحم أمام أحد المجمعات الاستهلاكية من أجل الحصول على كيلو سكر، وهو ما اعتبره الحرس الخاص بالزعيم الأوغندي إهانة في حقه، فكانت مواجهته شرسة، وهو يصد هذا العدوان!

سياسة فرض الأمر الواقع على البلد المضيف، تم تجريبها من قبل في تونس، وفشلت فشلا ذريعا!
لقد كانت القمة الإفريقية مقررا لها الانعقاد في تونس في عهد ابن علي ومبارك، وكانت المباحثات الأمنية السابقة لها طويلة حد الملل، فمبارك كان يسيطر عليه أيضا الهاجس الأمني، لكن ليس بالدرجة التي تسيطر على السيسي!

قال القوم في مصر إنهم يريدون أن يصطحبوا معهم سيارة مصفحة ليستخدمها مبارك في تنقلاته، وقال التونسيون إن تونس كلها سيارة مصفحة، ثم كانت المفاوضات على أعداد الحراس، ووقع خلاف بين الطرفين، حله الجانب المصري على طريقته، فقد وافق على الاقتراح التونسي، وأضمر في نفسه أمرا!
كانت الخطة تقوم على فرض الأمر الواقع، باصطحاب كامل العدد المقترح الذي رفضه الجانب التونسي لأنه اعتبره إهانة في حق تونس ودليلا على عجزها عن كفالة أمن القمة وضيوفها، وإذ حضر وفد من الرئاسة المصرية تمهيدا للزيارة، فقد كان يجلس على المقاهي يتحدث بعنترية عن الخطة المفاجئة التي سيهزمون بها التونسيين، حيث ينزل الرئيس مبارك من الطائرة ومعه المسؤولين ومعهم في الوقت نفسه الحراس، فتكون المفاجأة التي لا يمكن للتونسيين تداركها!

كانت هذه الجلسات تحت بصر أجهزة الأمن في تونس، وإذا نزل مبارك والمسؤولون من الطائرة، فأوقف الأمن التونسي خروج الحرس المصري كاملا، ولم ينتبه الرئيسان: المصري والتونسي للأمر وغادر مبارك وابن إلى المطار، ودارت معركة، حسمها الأمن التونسي، ولم ينج من الاعتداء وزير الإعلام صفوت الشريف، لكن وجود وزير الخارجية عمرو موسى، بما له من سمعة طيبة، أمكن من قبول التهدئة والتفاوض، على القواعد المتفق عليها سلفا.

كان مبارك قد وصل الفندق بمفرده ولم تصل حقائبه، وبعد قليل كان مندوب شركة مصر للطيران، يلقي عليه السلام في جناحه، فقد جاء ليطمئن عليه، وإذ رحب مبارك به فإنه تساءل: إذا كان قد أمكنه الوصول إليه دون اعتراض، فما الذي يمنع من وصول من يقتله، استغلالا لعدم وجود حراسه؟ فلم يكن يصدق ما قالوه له من أن تونس سيارة مصفحة!

غضب مبارك وأراد أن يغادر، لكن نيلسون مانديلا وعدد من الزعماء الأفارقة جاؤوا إلى جناحه وطيبوا خاطره، وظلت الواقعة تمثل مانعا نفسيا من إقامة علاقة جيدة بين البلدين، فالنفوس لم تصف، من جراء هذه الحادثة!

ومع ذلك، فإنه لا يُذكر أن مبارك اصطحب حراسه إلى حيث مباحثاته مع القادة والزعماء، كما أنه لم يُذكر أن حراسه دخلوا القصور الرئاسية في البلاد التي زارها مسلحون، وأصروا على الدخول للقاعة المخصصة للمباحثات بين القادة!

إنه الخوف الذي يحكم السلطة المغتصبة للحكم في مصر، فكان التدافع للدخول بالقوة، الذي تمت مواجهته بعنف، واللافت أن هذا كله حدث في حضور وزير الخارجية، واللواء عباس كامل سكرتير السيسي، فلم يأمرا الحراس المصريين بعد الهزيمة بالانسحاب، وإنما ظلوا يشاهدون المشاجرة، لعلهم ينجحون في مهمتهم ويدخلون لحماية الرئيس المذعور!

لقد ذكر بعض أنصار السيسي في دفاعهم عن هذه الهمجية، أن أوغندا ليست دولة آمنة، والسؤال وما الذي دفع بزعيمكم الهمام لزيارة بلد يضطر فيها لتأمين نفسه، بارتكاب فضيحة مخالفة للأعراف والتقاليد الدبلوماسية والدولية!

هم يؤكدون أهمية الزيارة لأنها تأتي بحثا عن واسطة أوغندية في موضوع سد النهضة، الذي أعطى السيسي موافقته على بنائه، دون أن يضمن في اتفاق المبادئ لمصر قطرة مياه واحدة!
لكن، المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأوغندي بحضور السيسي أثبت أن موضوع مياه نهر النيل لم تكن مطروحة على جدول اللقاء، فقد كانت رحلة تسول، بعد أن أغلقت في وجهه بلاد الرز!

لقد قال الرئيس الأوغندي، إن مصر بحاجة إلى الحبوب، واللحوم، والفاكهة، والأسماك، ولعله وقف على كثرة الاحتياجات فضحك، وهو ضحك له ما يبرره لكن غير المبرر، هو انفجار السيسي في وصلة ضحك، تؤكد انه ليس مدركا لحجم الكارثة التي وضع مصر فيها فهي بحاجة إلى الحبوب، واللحوم، والفاكهة، والأسماك، فما الذي تنتجه وكل هذه المنتجات البسيطة من احتياجاتها؟ وعموما فقد وعد الزعيم الأوغندي بسد هذه الاحتياجات!

لقد كان السيسي يحلم بحكم مصر، فخان وقتل، وتآمر وانقلب، لكنه لن يهنأ عندما تحقق الحلم، ويعيش في خوف مقيم، عبر عنه أداء حراسه في أوغندا!

لقد انقلب الحلم إلى كابوس!