نشرت صحيفة "زيد دويتشه تسايتنغ" الألمانية، تقريرا حول أسباب عدم تدخل
الغرب في
سوريا، حيث قدمت الصحيفة التسلسل الزمني لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الحرب السورية، والأسباب التي جعلت الغرب يقف متفرجا إزاء المجزرة التي تعرض لها الشعب السوري.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن العديد من المراقبين توقعوا حدوث كارثة إنسانية في
حلب، في ظل امتناع الغرب عن التدخل في المعركة، وهو ما يطرح تساؤلات حول صدق المواقف الغربية، والحسابات التي تقف وراءها.
وأشارت الصحيفة إلى كتاب مذكرات "خيارات صعبة" للمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، الذي نشرته عندما تقلدت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية عام 2014، والذي بدا من العنوان تلخيصا للمعضلة التي واجهتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن سوريا، حيث قالت كلينتون في الصفحة 461 من كتابها: "لقد حدثت كارثة إنسانية في المنطقة عندما لم نفعل شيئا.. إذا تدخلنا عسكريا؛ فإننا نخاطر بالانجرار نحو مستنقع آخر مثلما حدث في العراق".
وأضافت كلينتون في الصفحة ذاتها: "إذا أرسلنا أسلحة إلى قوات المعارضة؛ فمن الوارد أن تسقط هذه الأسلحة بأيدي تنظيم الدولة، وإذا ما حاولنا التدخل دبلوماسيا؛ فقد نصطدم بالفيتو الروسي".
وقالت الصحيفة: "اليوم، وبعد سنتين من نشر الكتاب؛ خسرت كلينتون الانتخابات لصالح دونالد ترامب، وبدت سياسة الشرق الأوسط التي اتبعها باراك أوباما مطابقة لتوقعات كلينتون المتشائمة، فقد تبلورت ملامح الكارثة الإنسانية السورية، من خلال أزمة اللاجئين ومعركة حلب التي شهدت تدمير المدينة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واضطرت إدارة أوباما للإبقاء على عدد من الجنود الأمريكيين في العراق، وتبين أن بعض المجموعات المقاتلة في سوريا التي دربتها القوات الأمريكية ترتبط بمنظمات وأيدلوجيات متشددة، وإلى جانب ذلك؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول فتح قنوات التواصل الدبلوماسي مع
روسيا، وهي مبادرات قوبلت بلا مبالاة من الجانب الروسي".
وأشارت الصحيفة إلى كتاب "اللعبة الطويلة" الذي ألفه مساعد وزير الدفاع، ديريك شوليه، والذي أوضح فيه مبادئ السياسة الخارجية لإدارة أوباما، حيث ذكّر فيه بالسياسة الفاشلة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في كل من سربرنيتشا والعراق وليبيا.
وقالت الصحيفة إن الغرب يتحمل مسؤولية إبادة حوالي ثمانية آلاف مسلم بوسني خلال الحرب الأهلية في يوغسلافيا، "وقد أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تجنب الوقوع في نفس الخطأ الذي حصل في سربرنيتشا، لكنها تورطت مجددا في إسقاط النظام العراقي في عام 2003 دون التخطيط لمرحلة إعادة البناء، وكانت النتيجة احتلالا طويل الأمد؛ كلف المليارات، وخلف عددا لا يحصى من الضحايا. وتكرر نفس الخطأ في ليبيا حينما ساهمت واشنطن في إسقاط النظام الليبي دون التخطيط للمستقبل".
وأضافت أن حكومة أوباما أرادت تجنب الأخطاء السابقة بعدم التدخل في سوريا، وقد عبر أوباما عن ذلك خلال لقاء صحفي في آب/ أغسطس 2012، "وعندما استعمل النظام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، كان على أوباما أن يتدخل، لكنه رسم خطه الأحمر الشهير".
وأشارت إلى أنه "مع انتقال المعارك لمدينة حلب؛ تجاوزت قوات النظام الخط الأحمر الذي رسمه أوباما عديد المرات، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2012، استعملت قوات النظام الغازات السامة في حمص".
ولفتت إلى أن المخابرات الأمريكية اقتنعت في نيسان/ أبريل 2013 بضرورة توفير أدلة على استخدام أسلحة الدمار الشامل، "ورغم أن البنتاغون كان يملك مخططات جاهزة لإيقاف الغارات ضد الشعب السوري عبر التدخل العسكري، ورغم أن صواريخ الكروز كانت جاهزة للإطلاق؛ إلا أن أوباما واصل سياسة تفادي الأخطاء السابقة، وهذا أوقعه في خطأ أكثر خطورة وجسامة".
وبحسب الصحيفة؛ فإن شوليه يقول حول هذا الموضوع في كتابه: "لقد كان علينا أن نختبر ردود فعل الأسد. في وقت لاحق؛ لم تكن الغارات الجوية التي تقوم بها قوات النظام في سوريا خطرة كما تصورنا".
وردا على استخدام الأسلحة الكيميائية؛ قرر الكونغرس الأمريكي في آب/ أغسطس 2013 دعم قوات المعارضة، عبر تدريبها وتسليحها بتكلفة قدرت بحوالي 500 مليون دولار، "لكن هذا البرنامج انتهى إلى الفشل الذريع".
وقالت الصحيفة إن القوات الأمريكية كانت تقصف في ذلك الوقت المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في سوريا، وكانت قادرة على التصدي للدفاعات الجوية التابعة للنظام السوري. ويقول شوليه في هذا الصدد في كتابه: "لقد كنا عمليا نفرض منطقة حظر جوي على النظام باعتماد سياسة الأمر الواقع، رغم أن ذلك لم يتم إعلانه بشكل رسمي".
وأضافت: "عندما حلقت الطائرات الروسية لأول مرة في الأجواء السورية في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، انتهى التفوق الجوي الأمريكي، وأصبح الغرب لا يفكر في التدخل العسكري في سوريا".
وذكرت الصحيفة أن الأسد زار روسيا في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، والتقى خلال هذه الزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ بهدف قلب المعركة قبل وصول ترامب إلى السلطة. وفي وقت لاحق اجتمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف، في الوقت الذي كانت فيه المروحيات السورية والروسية تقصف حلب، وتمكنت القوات النظامية وحلفائها من فرض حصار على المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في تموز/ يوليو 2016.
وخلصت الصحيفة إلى أن الغرب فوت فرصة الدخول في الحرب السورية منذ البداية، ولذلك خسر قوة الردع، ولم يتبق له اليوم من خيار غير إطلاق المناشدات، واعتماد الطرق الدبلوماسية، خاصة وأن تركيا تشعر بخيبة أمل من الموقف الغربي السلبي خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة على رئيسها أردوغان في صيف 2016، وتشعر بالقلق إزاء المكاسب الإقليمية للأكراد في سوريا، وهو ما جعل اللقاءات التي جمعت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في شهري آب/ أغسطس وتشرين الثاني/ أكتوبر بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن حلب؛ تسفر عن اتفاق يقضي بغض موسكو الطرف عن تدخل تركيا في شمال سوريا ضد الأكراد.