أثار قرار قضائي صدر عن محكمة
تونسية يسمح لشاب بالزواج من طفلة كان واقعها قبل فترة، ما تسبّب في حملها منه، انتقادات وردود فعل مختلفة، الثلاثاء، بلغت حدّ المطالبة بتنقيح مواد قانونية تتعارض نصوصها مع ما جاء في مجلّة حقوق الطفل.
واستغل الشاب الإذن القضائي الذي صدر عن المحكمة الابتدائية في محافظة الكاف، ليعقد قرانه مؤخّرا على الطفلة البالغة من العمر 13 سنة لدى عدل أشهاد بعد موافقة عائلتها، متخلّصا بذلك من التتبع القضائي، وذلك استنادا إلى المادة 227 مكرر من المجلة الجزائية، التي تنص على أن "
زواج الفاعل بالمجني عليها يوقف التتبع وآثار المحاكمة".
وفيما فشلت مندوبة حماية الطفولة بالمنطقة في منع إتمام عقد القران، قال مصدر مسؤول بوزارة المرأة والأسرة والطفولة "إنّهم يعملون في اتجاه إبطال الإذن القضائي الذي أتاح للمغتصب الزواج بطفلة اعتدى عليها جنسيا".
تضارب
وأقرّ المصدر، الذي امتنع عن ذكر اسمه، في تصريح لـ"عربي21"، بوجود تضارب بين مواد القانون الجزائي وبين مجلة حقوق الطفل، مشيرا إلى أنّ الأخيرة تحدّثت عن "مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، خاصة في الحالات الصعبة التي تهدد الطفل أو سلامته البدينة أو المعنوية أو تستغلّه جنسيا، ذكرا كان أو أنثى".
وقال إنّ مندوبة حماية الطفولة في محافظة الكاف "دخلت في نقاش حاد، صباح الثلاثاء، مع القاضي الذي أصدر الإذن بالزواج، حيث أكّد لها الأخير أنّه لم يخالف مقتضيات القانون الجزائي"، ولافتا إلى ضرورة السعي نحو تعديل مواده عوض عن "اتهامه بالتعسّف في تطبيق القانون".
وأشار المصدر إلى أنّ وزارة المرأة والأسرة والطفولة قدّمت قبل أيام مشروعا حول العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي وقضايا الطفولة الشبيهة بقضية الحال، حيث صادق عليه مجلس الوزراء، فيما ينتظر مصادقة البرلمان عليه.
الخوف من الفضيحة
وأوضح أنّ الوزارة لا تملك إحصاءات رسمية حول زواج القاصرات وجرائم اغتصاب الفتيات دون سن 18 سنة؛ بسبب الواقع المجتمعي لعديد المناطق، خاصة منها الريفية، مؤكّدا لجوء العائلات في هذه المناطق إلى تزويج بناتهن القاصرات من المعتدين؛ خوفا من العار والفضيحة.
واستبعد محدّثنا حصول تراجع في عقد الزواج بقرار قضائي أو غيره، إلّا في صورة الضغط على عائلة الطفلة، التي قد تقّرر حينها فسخه، لكنّه قال إنّ وزارة المرأة والأسرة والطفولة قدّمت طلبا رسميا لوزارة العدل قصد إبطال الإذن القضائي بالزواج وإسقاطه.
ولفت إلى أنّ وزارة الطفولة ستتولّى مرافقة الطفلة الضحية، خاصة أنّها حامل في شهرها الثالث؛ بهدف الإحاطة بها نفسيا وصحيا واجتماعيا.
ليست جريمة
واعتبر المحامي عبد الناصر العويني أنّ الإجراءات القانونية المتعلقة بالإذن القضائي صحيحة، لافتا إلى "أنها ليست جريمة اغتصاب، وإنما جريمة مواقعة أنثى برضاها دون سن الـ18 سنة"، وفق تعبيره.
وقال في تصريح لراديو موزاييك، الثلاثاء، إن لرئيس المحكمة الابتدائية المختص ترابيا سلطة تقديرية عامة على مصلحة طالب الزواج، وإن قراره غير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال.
ولاحظ العويني أن "القول بأن الفصل 227 مكرر يبرر الاغتصاب هو قول مغلوط"، مشيرا إلى إن "قرار القاضي قانوني، ويهدف إلى خدمة مصلحة البنت القاصر التي تعرضت لمواقعة جنسية"، بحسب تعبيره.
تبييض الجرائم
وضجّت الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بالتعليقات المنتقدة للقرار القضائي، حيث اعتبرته مديرة المكتبة الوطنية الجامعية رجاء بن سلامة، "فضيحة وجريمة في حقّ الطّفولة..! طفلة ذات ثلاثة عشر ربيعا، يغتصبها شابّ في العشرين، فيطبّق عليها في تونس، في سنة 2016، قانون عتيق لا يعترف بالعنف الجنسيّ، ولا يعترف بنفسيّة المغتصبة، ولا يعترف حتى بطفولة الطّفلة، ويقضي بعدم إدانة الجاني إذا ما تزوّج المغتصبة!!!"
كما كتبت الجامعية والكاتبة ألفة يوسف في صفحتها: "أن تكون إرهابيّا أو مغتصِبا أفضل أمام قانون العار من أن تكون مثليّا أو مسيحيّا لا تؤذي أحدا.. قال لك "ديموكراتية"...ووه على بابا ووه...".
وقالت الإعلامية إنصاف اليحياوي إنّها "تشعر بالقرف، ولم تقدر على استيعاب إمكانية تزويج قاصر من جلادها... أنا وين... في أي عصر".
جدل متواصل
وتعهّد نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الفاضل بوضيافي، في تصريح لصحيفة "الشروق"، بالقيام بحملات تحسيسية "لإلغاء القوانين التي تبيّض الجرائم، خاصة منها اغتصاب الطفولة".
يُذكر أنّ الهيئة العليا المستقلة للاتّصال السمعيّ والبصريّ قرّرت قبل حوالي شهرين إيقاف بثّ البرنامج التلفزيوني "عندي ما نقلك" لمدّة ثلاثة أشهر؛ بسبب حلقة تضمنت قضية طفلة حامل بعد أن تعرّضت لاعتداءات جنسية من قبل أقاربها، حيث أشار عليها مقدم البرنامج بأن تطلب العفو من والدها، وأن تتزوج من مغتصبها" ، ما أثار حملة احتجاج واسعة على "فيسبوك".
كما شهدت تونس منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي جدلا واسعا بعد تداول صورة طفلة سنّها 12 عاما، من محافظة قفصة في الجنوب الغربي، ترتدي ملابس الزفاف مع خطيبها الذي يكبرها ببضع سنوات.
وأقالت وزارة الطفولة مندوب حماية الطفولة آنذاك، الذي دافع في تصريح إعلامي عن خطبة الطفلة بقوله إنّه لا يوجد قانون يحدد السن الأدنى للخطبة، إضافة إلى البنية الجسدية المعقولة للطفلة وهي في سن البلوغ.