أكدت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، خلال جلسة نقاش ميزانية الهيئة بمجلس نواب الشعب، الأربعاء، العثور على وثائق تؤكد قيام
فرنسا بانتهاكات وجرائم حرب خلال الفترة التي تلت إعلان الاستقلال بتونس.
وقالت بن سدرين إن هيئة الحقيقة والكرامة، في إطار إشرافها على مسار العدالة الانتقالية، سيكون من مهامّها أن "تُطالب فرنسا ليس فقط بالاعتذار، بل وجبر الضرر؛ نظرا لخرقها اتفاقية جنيف، من خلال انتهاكها للسيادة الوطنية في
تونس وهي مستقلة".
وكان النائب عن حركة الشعب، سالم الأبيض، أشار إلى أن الدولة الفرنسية قتلت في معركة الجلاء، 5 سنوات بعد إعلان الاستقلال، 8000 مواطن تونسي، بالإضافة إلى 6 آلاف، منهم مقاومون مدنيون سقطوا بين 1881 و1956، داعيا رئيسة الهيئة لأن تطلب من رئاسة الدولة الفرنسية والجمعية الوطنية الفرنسية أن يعتذروا لتونس.
مضيفا: "لا بد على المستعمر الفرنسي أن يعتذر عن الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب التونسي من قتل ونهب للثروات، وهذا في صلب العدالة الانتقالية وتصحيح العلاقات داخليا، والذي يجب أن يكون خارجيا كذلك".
مطلب مشروع
وفي تعليقه حول تصريح بن سدرين، قال الباحث في العلاقات الدولية، البشير الجويني، إن هيئة الحقيقة والكرامة يجب عليها أن تتبع المظالم والانتهاكات، سواء أكان مصدرها من داخل تونس أم من خارجها.
واعتبر الجويني، في حديثه لـ"
عربي21"، أن ما صرحت به سدرين لا يخرج عن المطالبات الشرعية الصادرة في عدد من الدول، منها الجزائر ورواندا وأفريقيا الجنوبية، مشيرا إلى التجربة الليبية في علاقتها بإيطاليا، التي انتهت باعتذار الأخيرة عن ماضيها
الاستعماري، سنة 2008، والتي يُمكن الاستفادة منها كتجربة مُقارنة، وفق تعبيره.
وحول مدى قدرة هيئة الحقيقة والكرامة على تحقيق ما أعلنته ومدى تجاوب السلطة الرسمية في تونس، قال الجويني إن الهيئة ستكون على موعد مع التاريخ إن نجحت في تحريك الملف، خاصة مع ما يمكن أن يثيره الموضوع من تداعيات دبلوماسية، وفق تقديره.
وتابع: "الدبلوماسية التونسية في أصلها دبلوماسية غير صدامية، وهذا ما أقرته ممارساتها وأقرته المصادر والمراجع العلمية التي درستها؛ لذلك فمن غير المتوقع أن تطالب أو تدفع في اتجاه مساءلة وطلب
اعتذار من الفرنسيين".
وتوقع الجويني أن تبقى مسألة مطالبة الدّولة الفرنسية في مستوى هيئة الحقيقة والكرامة، مستبعدا انخراط السلطة الرسمية التونسية ممثلة في رئيسها أو وزير خارجيتها في هذا المسار صراحة.
مطلب سيادي شعبي
من جهته، اعتبر القيادي في حزب حراك تونس الإرادة المعارض، البشير النفزي، أن ما قالته بن سدرين يعد أحد مفاتيح تصحيح التاريخ و إعادة الحق الاعتباري للشعب التونسي، وبالتالي فالإجابة القطعية عن مطلب مسكوت عنه دفع البعض للحديث عن إيجابيات الاستعمار، وفق تعبيره.
وقال النفزي، في تصريحه لـ"
عربي21"، إن هذه البادرة على أهميتها كمطلب وطني، إلا أنها ليست "ابتداعا تونسيا"، مشيرا إلى الجزائر التي سبق أن طالبت الفرنسيين بالاعتذار عن فترة استعمارها لها.
وحول التداعيات الُممكنة لهذه المطالبة، تابع بقوله: "نعم، هنالك حرج للإدارة الفرنسية ووزارة الخارجية الفرنسية، ومسألة الاعتذار للدول التي استعمرتها فرنسا هي مسألة جوهرية ومحل تنازع بين اليمين واليسار وبقية التشكيلات السياسية في فرنسا، وبالتالي لا أظن أن ضغوطات شديدة ستمارس على الهيئة، خاصة أن استقلاليتها عن كل طرف سياسي تخول لها العمل بكل أريحية، دون تحميل أي وزر سياسي لمن "يخشى" الضغط الفرنسي، لو افترضنا وجوده أصلا".
وأكد على أن طلب الاعتذار هو مطلب سيادي شعبي، من صميم إنصاف التاريخ والذاكرة، ومن صميم استرجاع الكرامة، التي هي من أولويات هيئة الحقيقة والكرامة، وفق تعبيره.
يذكر أن الجزائر تطالب منذ سنوات عبر نخبها وأحزابها، وحتى على المستوى الرسمي في بعض الفترات، بضرورة اعتذار فرنسا عن إرثها الاستعماري، الذي شهد انتهاكات فظيعة وثّقها الفرنسيون أنفسهم.
وسبق للرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، أن رفض الاعتذار صراحة وهو في الجزائر خلال حملته الانتخابية، صيف 2007، عندما قال: "أنا مع الاعتراف ولست مع النّدامة.. الندامة مفهوم ديني، ولا مكانة لها في العلاقات بين الدول... لم آت هنا لجرح المشاعر، ولا لطلب الصفح".
وعرفت فرنسا بروز تيار فكري يعارض بقوة فكرة الاعتذار عن الماضي الاستعماري، من أبرز أقطابها الكاتب باسكال بروكنير، الذي أصدر مُؤلّفا يدين كل فرنسي يتبنى الاعتذار، بالإضافة للكاتب دانيال لوفوفر، الذي كتب "حتى نقضي على فكرة التوبة الكولونيالية" سنة 2008.