شكلت الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة انطباعا بأن الأمور تسير بشكل اعتيادي، إلا أنه بوجود روسيا في المعادلة باتت حرية إسرائيل العسكرية مجرد وهم.
حصل ذلك تارة أخرى هذا الأسبوع
نقلا عن مصادر عسكرية، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) يوم الأربعاء بأن إسرائيل شنت هجوما بصاروخ أرض – أرض في الثالثة فجرا على مطار المزة العسكري بالقرب من دمشق. وكانت تقارير إعلامية أخرى قد زعمت بأن الهجوم نفذه سلاح الجو الإسرائيلي.
وبحسب ما قاله المسؤولون السوريون كان الهجوم محاولة "يائسة" من قبل إسرائيل لتقديم دعم "للمجموعات الإرهابية" التي تقاتل النظام. بعد ساعات، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في اجتماع له مع سفراء الاتحاد الأوروبي بأن بلادة كانت "تحاول منع تهريب أسلحة متطورة ومعدات عسكرية ومعدات دمار شامل من سوريا إلى حزب الله".
السياسة المعتمدة لدى إسرائيل هي عدم تأكيد أو نفي التقارير التي تتحدث عن مثل هذه الهجمات، التي وقع كثير منها في السنوات الأخيرة، والتي يظن في العادة أنها تستهدف ضرب معدات وأسلحة يجري نقلها إلى المنظمة الشيعية – إلا أن تصريحات ليبرمان بالذات مثيرة للاهتمام لأنها المرة الأولى التي يأتي فيها ذكر أسلحة الدمار الشامل.
ولئن كانت إسرائيل قد قامت فعلا بضرب المطار هذا الصباح، فسيكون هذا هو الهجوم الإسرائيلي الثالث خلال الأيام العشرة الماضية بعد ورود تقارير عن هجومين نفذهما سلاح الجو الإسرائيلي في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ضرب الهجوم الأول الجانب السوري من مرتفعات الجولان يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني، بالقرب من الحدود بين البلدين، واستهدف مقرا مهجورا لقوات حفظ السلام الدولية يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية.
وقد جاء ذلك بعد هجوم على القوات الإسرائيلية شنته مجموعة من الثوار السوريين تعرف باسم كتيبة خالد بن الوليد، والتي كانت من قبل تسمى كتيبة شهداء اليرموك، وتتنسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
بعد يومين من ذلك، استهدفت الضربة الثانية ضاحية من ضواحي دمشق، ويعتقد على نطاق واسع أن الهدف كان شحنة من المعدات المتطورة كانت متوجهة إلى حزب الله في لبنان.
قد يبدو من ذلك أنه فيما يتعلق بالمصالح الأمنية الإسرائيلية، الأمور تسير كالمعتاد – إلا أن الأمر ليس كذلك. إنه كله خدعة.
أحد عشر شهرا وخمس ضربات
بالإضافة إلى الضربة التي وقعت هذا الصباح والضربتين اللتين وقعتا في شهر نوفمبر، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي قوافل تنقل السلاح من سوريا إلى حزب الله مرتين خلال الأحد عشر شهراً الماضية.
تتناقض هذه الهجمات الخمس التي وقعت في عام 2016 تناقضا تاما مع العشرات من التقارير التي تحدث عن هجمات مشابهة وقعت منذ عام 2013. يبدو أنه منذ أن نشر الروس قواتهم – وبشكل رئيسي القوة الجوية – في سوريا، قلصت إسرائيل بشكل كبير عملياتها في البلد خشية أن تزعج الروس وتجنبا لأن تتسبب في إثارة غضب فلاديمير بوتين عليها.
لروسيا في سوريا اليوم وجود عسكري ضخم، بما في ذلك 50 طائرة مقاتلة وقاذفة، وطائرات عمودية مهاجمة، ومدمرات بحرية، وسفن حربية، وحاملات طائرات، وراجمات صواريخ، ورادارات مضادة للطيران بالغة التعقيد، والتي عمليا تغطي كامل الأراضي الإسرائيلية.
لقد غير الوجود الروسي العسكري في سوريا قواعد اللعب في الحرب الأهلية وساعد الأسد على تدعيم سلطته التي كانت تتداعى للسقوط.
والآن، وبعد التكتيكات الإجرامية التي نفذت في حلب بعد استعارتها من تجربة حرب الأرض المحروقة التي نفذت في الشيشان قبل عقد من الزمان أو ما يقرب منه، أصبح للأسد ولروسيا اليد العليا، ولئن كان ثمن ذلك هو الآلاف من الضحايا المدنيين الذين سقطوا ما بين قتيل وجريح. ومع ذلك، مازالت الحرب الأهلية أبعد ما تكون عن خط النهاية.
يمكن لروسيا تفهم الهجمات الجوية التي نفذت قريبا من الحدود ضد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية – العدو المشترك لجميع الأطراف المشاركة في الحرب، بل يمكن لروسيا إضافة إلى ذلك أن تشجع على القيام بمثل هذه الهجمات.
ولكن عندما يتعلق الأمر بمناطق بعيدة عن الحدود الإسرائيلية، وبالتأكيد تلك التي تقع بالقرب من دمشق، فإن العملية تصبح أكثر تعقيداً وأكثر خطورة ويمكن أن تخرج عن السيطرة.
في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي قافلة ومخازن سلاح في ضواحي العاصمة السورية وعلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى بيروت. إلا أن إسرائيل احتفظت بالصمت بعد قصفها للأسلحة التي يعتقد بأنها كانت متجهة إلى حزب الله، ولم تنبس ببنت شفه.
تعتبر مثل هذه المهام بالضرورة بالغة الحساسية. فعلى الرغم من أن هجوم الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني كان يستهدف بشكل غير مباشر حزب الله، إلا أنه كان سيفسر - ومن يفعل فهو محق في ذلك – على أنه هجوم على نظام الأسد، الذي إما أنه مسؤول عن شحن الأسلحة المرسلة إلى حزب الله أو أنه يغض الطرف عنها.
والهجوم على الأسد يمكن أن يشكل انطباعاً غير مباشر بأنه هجوم على روسيا أو إهانة لها، لأنها هي التي تدعم النظام. وبالفعل، قيل إنه بعد ذلك الهجوم، طلبت روسيا من إسرائيل توضيحاً لما تقوم به ولما يجول في خاطرها.
انتهاك القواعد
مباشرة بعد أن نشرت روسيا قواتها في سوريا في صيف وربيع عام 2015 شعرت إسرائيل بالقلق الشديد، وسارع رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو بشد الرحال إلي موسكو ليسترضي بوتين.
في ذلك الاجتماع، وفي اجتماعات تالية له، اتفق الطرفان على إقامة خط اتصال أحمر بينهما "لتجنب المواجهة" والحيلولة دون حدوث أي صدامات غير مقصودة ولا مرغوب فيها بين الجانبين.
منذ ذلك الوقت سافر نتنياهو إلى موسكو ثلاث مرات أخرى خلال العام المنصرم لعقد مزيد من المحادثات مع بوتين. وفيما بعد ذلك، التقى ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي وفي سلاح الجو الإسرائيلي بنظراء لهم من روسيا لتحديد قواعد اللعب في الأجواء السورية.
على الرغم من هذه الترتيبات، من المستبعد تماما أن تكون إسرائيل قد أبلغت روسيا مسبقاً بالهجوم الذي وقع صباح اليوم أو بذلك الذي وقع في الثامن والعشرين من نوفمبر / تشرين الثاني. الدول لا تفعل ذلك في العادة، ولا حتى مع أصدقائها، لأن ذلك من شأنه أن يهدد العملية بالفشل وأن يخاطر بالأرواح.
إذا ما أخذنا بالاعتبار هذه الظروف والملابسات، فلابد للمرء من أن يخلص إلى أن الأهداف التي ضربت هذا الصباح وفي يوم الثامن والعشرين من نوفمبر / تشرين الثاني كانت بالغة الأهمية بالنسبة لإسرائيل وتستحق المجازفة بغض النظر عما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات.
كما يمكن للمرء أن يفترض أن الاستخبارات كانت ممتازة وأن الجدوى العملياتية كانت قد تحققت. والاستنتاج الآخر الذي يمكن استخلاصه من هذه الحوادث هو أن إسرائيل لربما توصلت إلى إجراءات معقدة تمكنها من الحيلولة دون أن تكتشف الرادارات الروسية طائراتها أو تتمكن من أن "تعميها" (تحجب رؤيتها).
إلى متى يمكن لهذه اللعبة المزدوجة أن تستمر؟
في الماضي، كان نتنياهو ووزير الدفاع السابق موشيه يعالون ومن بعده وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان قد صرحوا مرارا وتكرارا بأن إسرائيل ليست لديها النية في التورط في الحرب الأهلية ولكنها ستدافع بكل حزم عن مصالحها القومية.
ومن الأمور التي تدخل في الدفاع عن المصالح القومية من وجهة نظرهم الانتقام ضد أي انتهاك للسيادة الإسرائيلية سواء كان عن عمد أو عن غير عمد، وشحنات الأسلحة المتطورة التي تنقل إلى حزب الله في لبنان.
ما يشغل بال إسرائيل بشكل رئيسي هو صواريخ ياخونت أرض – بحر الموجهة، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، والرادارات، والمكونات التي من شأنها زيادة دقة صواريخ أرض – أرض التي يملكها حزب الله، والتي لديها القدرة على ضرب تقريبا كل موقع استراتيجي أو عسكري داخل إسرائيل بما في ذلك المفاعل النووي في ديمونا ومقرات الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، ومحطات توليد الطاقة والمطارات.
كانت تلك في الأغلب هي أهداف الهجمات الإسرائيلية الأخيرة داخل سوريا، بالإضافة إلى التعديل الدقيق الذي ورد في تصريح ليبرمان من أن إسرائيل قلقة أيضاً بشأن نقل أسلحة الدمار الشامل إلى حزب الله.
ومع ذلك، من الأهمية بمكان التأكيد على أن إسرائيل حريصة أيضا على تجنب انتهاك السيادة اللبنانية. في الماضي، وبعد هجوم شنه سلاح الجو الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، هدد حزب الله بالانتقام. بالنسبة للحركة الشيعية اللبنانية، يمكن التغاضي عن الهجمات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ولكن ليس حينما تقع داخل الأراضي اللبنانية.
كان نظام الأسد قد وعد في الماضي بالانتقام من إسرائيل إذا ما انتهكت مجاله الجوي أو سيادته. إلا أن الاستراتيجيين والمخططين داخل الجيش الإسرائيلي يعلمون علم اليقين أن هذه مجرد تهديدات فارغة. لا يمكن للأسد أن يسمح لنفسه – وهو في الواقع عاجز عن ذلك – بفتح جبهة أخرى، وبشكل خاص مع الجيش الإسرائيلي المهيب.
ولكنهم يعلمون أيضا بأن ثمة حدود لما يمكنهم أن يلحقوه بنظام دمشق من أذى، ليس رهبة من الأسد نفسه وإنما احتراما لبوتين الذي يرعاه ويدعمه.
يمكن تفسير الزيادة في عدد الهجمات الإسرائيلية خلال الأسبوعين الأخيرين بأحد احتمالين. أما الأول فهو إقدام إسرائيل بكل تبجح بتحدي روسيا وممارسة لعبة "أيهما يجبن أولا" مع بوتين.
ولكن إذا ما أخذنا بالاعتبار تصريح ليبرمان حول أسلحة الدمار الشامل، فإن التفسير الأكثر احتمالا هو أن روسيا تقوم بلعبة مزدوجة، فهي في نفس الوقت الذي تدافع فيه عن نظام الأسد تتفهم المصالح القومية الحيوية لإسرائيل وتغض الطرف عندما تقوم إسرائيل بإجراء يستهدف الدفاع عن مصالحها تلك.
والخلاصة هي أن حرية إسرائيل في القيام بعمليات عسكرية في سوريا، وهي الحرية التي تمتعت بها منذ أن اندلعت الحرب قبل ما يقرب من ستة أعوام، أخذة في التقلص. فالجيش والحكومة في إسرائيل يعلمان علم اليقين أن صبر بوتين في طريقه إلى النفاد.
(عن صحيفة "ميدل إيست آي")