تواصل قوات عملية "
البنيان المرصوص"، التابعة لحكومة الوفاق الليبية، تقدمها بمدينة
سرت الليبية، آخر معاقل
تنظيم الدولة، رغم المقاومة الشرسة التي يبديها التنظيم.
مواصلة التقدم
وأعلنت صفحة "المركز الإعلامي للبنيان المرصوص" على موقع "فيسبوك"، السبت، سيطرة قوات "البنيان المرصوص" على 30 منزلا في الجيزة البحرية، آخر معاقل تنظيم الدولة بمدينة سرت.
ونقل موقع "بوابة الوسط" الليبي عن مصدر عسكري من الكتيبة "604" التابعة لقوات "البنيان المرصوص"، قوله إن أفراد كتيبته قبضوا أمس على اثنين من عناصر التنظيم أول أمس الخميس، أحدهما من غينيا والآخر من تونس، مشيرا إلى اعترافهما بوجود عناصر من التنظيم في عدد من البيوت.
وتنحصر سيطرة تنظيم الدولة حاليا في رقعة صغيرة من الأرض قرب واجهة سرت على البحر المتوسط، وفي الآونة الأخيرة تتقدم قوات "البنيان المرصوص" بحذر أكبر في حي الجيزة البحرية في ظل دعم تقدمه الولايات المتحدة من خلال غارات جوية.
ومنذ أن بدأوا حملتهم لاستعادة المدينة في أيار/مايو تمكنت القوات التي يقودها مقاتلون من مدينة مصراتة وتدعمهم ضربات جوية أمريكية من السيطرة على معظم مباني المنطقة باستثناء عشرات المنازل القريبة من الواجهة البحرية لسرت على البحر المتوسط.
ومع تراجع حدة القتال، تقدمت القوات الليبية بصورة أكثر حذرا في محاولة للحد من سقوط قتلى أو جرحى من القوات والمدنيين والأسرى المحتجزين لدى المتشددين.
التنظيم يقاوم
قال مسؤولون إن القوات الليبية واجهت مقاومة شرسة اليوم السبت من جانب مقاتلي تنظيم الدولة الذين يدافعون عن آخر شريط لهم على الأرض في معقلهم السابق سرت، حيث فقدت القوات الليبية خمسة من رجالها.
ويستعين مقاتلو تنظيم الدولة في سرت بقناصة وأنفاق وعبوات ناسفة مخبأة للدفاع عن مواقعهم، وقد نشرت صفحة "المركز الإعلامي للبنيان المرصوص على "فيسبوك" صورا لأحد أنفاق التنظيم التي فقدها.
وقالت القوات في بيانات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي إنها واجهت انتحاريين أحدهما كان يرتدي حزاما ناسفا، فيما كان يحمل الثاني قنابل يدوية. وأضافوا أن امرأة تابعة للتنظيم المتشدد خدعت جنودا كانوا يحاولون فتح ممر آمن لها للمرور وفتحت النار عليهم.
وسقط جنود ليبيون أثناء محاولتهم التقدم بعد استخدام الدبابات والأسلحة الثقيلة لتدمير المباني التي يسيطر عليها التنظيم.
وقال أكرم قليوان المتحدث باسم أحد المستشفيات في مصراتة إن خمسة مقاتلين من القوات الليبية قتلوا وأصيب 18 شخصا آخرين في اشتباكات.
تكتيكات البنيان لمواجهة المفخخات
كشف مصدر من قوات عملية "البنيان المرصوص"، أنهم استطاعوا التصدي لهجمات تنظيم الدولة بالسيارات المفخخة في سرت، من خلال 3 تكتيكات رئيسية تتمثل في إقامة السواتر، وتجنب تجمع المقاتلين إلى جانب استهداف هذه العربات بالمدافع.
علي بيوض، أحد مقاتلي تشكيل يتبع المجلس العسكري لمصراتة، والموالي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أصيب برصاصة في كتفه منذ أسابيع، ولكن هذا لم يمنعه من العودة إلى جبهة القتال اليوم السبت.
يقول بيوض (فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية): "داعش، نجح في أن يقتل عددا من مقاتلينا في الأسابيع الأولى من القتال من خلال استعمال (الدقمة)؛ وهي السيارات المفخخة التي يهاجمون بها مواقعنا".
ويروي بيوض "كيف كان مقاتلوهم يقفون عاجزين أمام هذه العربات المصفحة التي تخلف خسائر كبيرة في صفوفهم دون أن يعرفوا كيفية التعامل مع هذا الأسلوب الجديد الذي لم يألفوه".
وأوضح المقاتل في إحدى كتائب "لواء المحجوب": "كنا نراها تهجم علينا ولا نملك لها شيئا، نطلق عليها الرصاص ولكن دون جدوى لأنها مصفحة، ثم تنفجر بيننا، وتخلف عددا كبيرا من القتلى".
وتابع: "هذا هو الحال في الأسابيع الأولى ولكن منذ أن تقدمنا في سرت، أصبحنا نجيد التعامل مع "الدقمة"، بثلاث طرق".
واستطرد: "أولا: أصبحنا نضع سواتر في كل الشوارع التي نسيطر عليها، وبالتالي السيارات المخففة لا تتجاوزها، ثانيا: تجنبنا التجمع في مكان واحد، كي لا نستهدف، ثالثا: صار لنا القدرة على التعرف على هذه السيارات بسرعة، واستهدافها بالمدفعية وتفجيرها، وهو ما قلل عدد ضحايانا في الآونة الأخيرة".
محمد شنب، أحد قيادات "لواء المحجوب" اشتكى من قلة الدعم العسكري والطبي الذي تتلقاه قوات "البنيان المرصوص" من
حكومة الوفاق، وكذلك الدول الداعمة للحرب على "داعش".
ضعف المعدات
وأوضح محمد شنب (فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية): "لا ندري كيف نعالج جرحانا، ونعاني من شح كبير ومستمر في الذخيرة وفي الإمكانيات والمعدات العسكرية، نقاتل بما تبقى من ذخيرة وأسلحة حرب 2011".
وأضاف شنب: "عدد كبير من الشباب يقاتلون بدون دروع واقية من الرصاص، الأمر الذي يزيد من عدد الضحايا، فضلا عن وفاة الكثيرين متأثرين بجراحهم لعدم توفر الإمكانيات الطبية اللازمة للإسعاف السريع".
وتابع شنب، الذي تحدث بعد أن قاد يوما داميا من المعارك في منطقة الجيزة البحرية من المحور الشرقي في سرت، فَقَد فيه أحد مقاتليه: "سرت كان يراد لها أن تكون عاصمة أبي بكر البغدادي (زعيم تنظيم الدولة) بعد مدينة الرقة (معقل التنظيم شمالي شرق سوريا)، ونحن الآن نفند هذا الأمر".
وفي هذا السياق، اعتبر شنب أن "أهمية سرت عند داعش، لا تقل عن مدينة الموصل (شمالي العراق)".
"ليس هناك أي وجه للمقارنة بين الإمكانيات التي توجد لدينا في سرت، لمحاربة التنظيم، وبين ما يتوفر لمحاربة داعش، في سوريا والعراق"، يقول شنب.
وأشار القيادي في "لواء المحجوب"، إلى أن "في الموصل إمكانيات عسكرية غير محدودة، هناك تحالف دولي واسع وكبير، وأسلحة متطورة بكل الأنواع، وما لا يقل عن 100 ألف مقاتل، يواجهون حوالي 5 آلاف مقاتل من داعش".
وبين قائلا: "في حين هنا في سرت، عدد قواتنا المهاجمة لم يتجاوز 8 آلاف في ذروة الهجوم في الأسابيع الأولى، وفي المقابل كان هناك أكثر من ألفي مقاتل من التنظيم، مدججين بكل أنواع الأسلحة، ويتدربون منذ أكثر من سنة، عدد منهم من ذوي التجارب القتالية في سوريا والعراق".
قتلى تنظيم الدولة
وحول الخسائر التي تكبدها تنظيم الدولة، لفت شنب، إلى أنه "في بدء المعارك؛ قدرنا عددهم مقاتلي التنظيم بأكثر من ألفي مقاتل، علمنا أن عددا منهم هرب جنوبا باتجاه الصحراء في الأيام الأولى من المعارك، هؤلاء يقدر عددهم بالمئات".
وأضاف: "لا ندري بدقة عدد القتلى في صفوفهم ولكن نقدرها بحوالي ألف و500 قتيل".
وحول سبب عدم قدرتهم على تحديد عدد قتلى التنظيم بدقة، أوضح شنب: "في الأشهر الأولى من القتال لم نكن نجد جثثهم، كانوا حريصين على سحبها، لكن الآن يتركونها للانسحاب بسرعة ولقصر المسافات (بين الطرفين)".
في المقابل قدر شنب خسائر "البنيان" البشرية منذ بدء الحرب على تنظيم الدولة، في مدينة سرت ، منذ أيار/مايو 2016، بأكثر من 600 قتيل وما يقارب من 3 آلاف جريح.
يشار إلى أن تنظيم الدولة سيطر على كامل مدينة سرت في بداية العام الماضي، وبسط وجوده على امتداد بلغ نحو 250 كيلومترا من الساحل الليبي.
وفي أيار/مايو الماضي، انطلقت عملية "البنيان المرصوص" بهدف إنهاء سيطرة التنظيم على المدينة النفطية منذ 2015.
ومع حلول أوائل سبتمبر/أيلول الماضي، تمكنت القوات الليبية المشاركة في العملية من استعادة معظم مناطق وأحياء سرت، وتركت تنظيم الدولة محاصرا في مساحة محدودة فيها.
وفي حال فقدانه سرت لن يكون للتنظيم سيطرة على أي منطقة في
ليبيا رغم أن بعض قادته فروا في مراحل القتال الأولى من هذه الحملة، ويخشى المسؤولون من أنهم ربما يشنون هجوما من جنوب وغرب المدينة.