أصدرت المحكمة الدستورية
الفلسطينية، الأحد، قرارا؛ يقضي بأن من صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية محمود
عباس، رفع الحصانة عن أي نائب في المجلس التشريعي، حتى في غير أدوار انعقاد جلساته، في ظل "عدم انعقاد المجلس التشريعي، وعدم قدرته على الانعقاد".
وأضاف القرار أن "المحكمة الدستورية ترى أن القرار بقانون الذي أصدره الرئيس في 3/1/2012، المتضمن رفع الحصانة عن عضو المجلس التشريعي محمد يوسف شاكر
دحلان، قد صدر وفقا للأصول والصلاحيات المخولة للسيد الرئيس بموجب القانون"، وفق نص القرار.
وجاء القرار بعد طلب قدمته محكمة النقض إلى المحكمة الدستورية، رفعه إليها رئيس المحكمة العليا السابق، سامي صرصور، خلال فترة رئاسته مجلس
القضاء.
عبث بالساحة الفلسطينية
وقال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، إن رفع الحصانة عن أي نائب في المجلس التشريعي هو من اختصاص المجلس نفسه، ويمر بآلية معقدة، وقد حاولنا القيام به في المجلس مرة واحدة، ولم نستطع ذلك.
ووصف خريشة في حديث لـ"عربي21" قرار المحكمة الدستورية؛ بأنه عبث بالساحة الفلسطينية من خلال تكريس كافة السلطات في شخص الرئيس عباس، "في ظلّ تغييب المجلس التشريعي بقرار منه"، مؤكدا أنه يفتح الباب أمام عباس لفصل أي نائب منتخب إذا خالف سياساته.
وحذر خريشة من أن ما يجري هو إقحام للشعب الفلسطيني ومؤسساته في خلاف تنظيمي فتحاوي داخلي، "ضُخّم كثيرا، ما يترك الشعب وحده ضحية هذه الخصومة، التي لا ناقة له فيها ولا بعير"، وفق تعبيره.
وأشار خريشة إلى أن قرارات المحكمة الأولى تؤكد ما قاله سابقا، بأن تشكيل المحكمة منذ البداية هدف لخدمة المصالح السياسية لعباس، وتركيز كافة السلطات بيده، متسائلا: "الرئيس أصدر 45 قرارا بعد تعطيل التشريعي لخدمة متنفذين ورجال أعمال، لماذا لم تنظر الدستورية في شيء منها؟".
ودعا النائب الفلسطيني الكتل البرلمانية لأن تقدم استقالتها من المجلس التشريعي؛ لأنه أصبح "مجلسا صوريا يعيش في حالة غير دستورية، ويراد له أن يبقى ليكون غطاءً لقرارات وسياسات غير قانونية، تضر القضية"، وفق تعبيره.
وأصدر عباس قرارا بتشكيل أول محكمة دستورية في فلسطين، في مطلع نيسان/ أبريل المنصرم، وسط انتقادات حقوقية وفصائلية كثيرة لقانونية تشكيلها، وتوقيته وأهدافه، وتوجهات أعضائها.
وطالبت 18 مؤسسة حقوقية فلسطينية، في بيان حينها بـ"أن لا يكون تشكيل المحكمة مبنياً على محاصصة سياسية بهدف السيطرة عليها"، فيما اعتبرت حماس تشكيلها "قرارا غير قانوني، يعكس حالة التفرد والتنكر للشراكة الوطنية".
القانون في أتون الصراع
وقال أستاذ القانون في جامعة النجاح الوطنية، رائد أبو بدوية، إن قرار المحكمة غير دستوري ولا قانوني، وهو امتداد لاعتداء الرئيس محمود عباس على المجلس التشريعي من خلال تجميعه للسلطات في يده، وإصدار التشريعات التي يختص بها المجلس، وفق قوله.
ورأى أن تشكيل المحكمة ابتداء "جاء في توقيت غير مناسب، وبلون سياسي واحد، وبهدف تمرير كل القرارات التي اتخذها الرئيس عباس سابقا، والتي سيتخذها فيما بعد، ما حولها لأداة لتعزيز الانقسام الداخلي".
وأوضح أن قرار المحكمة الدستورية الأحد، الذي يعدّ الثاني للمحكمة، يؤكد أن تشكيلها جاء ضمن مساعي عباس للسيطرة، مشيرا إلى أن القرار الأول كان "تعيين نائب لرئيس المحكمة العليا السابق، بما يخالف القانون القضائي، ثمّ صادق على استقالة مقدمة مسبقا من رئيس المحكمة العليا، فهيمن (عباس) على القضاء، أما القرار الثاني فهو طريقة للهيمنة على المجلس التشريعي".
وأضاف أن السيطرة على القضاء، ثمّ على التشريع، "معناه هدم المنظومة الديمقراطية في البلد بشكل كامل، والوصول إلى حالة شمولية دكتاتورية، ونظام بوليسي قمعي".
وأكّد أبو بدوية لـ"عربي21" أن عباس يستخدم كل الوسائل السياسية، والتنظيمية، والقانونية، المتاحة في خصومته السياسية مع دحلان، حيث "عجّل عقد المؤتمر السابع لفتح، من أجل سحب الشرعية من دحلان وتياره تنظيميا، وها هو الآن يستخدم المحكمة الدستورية للهدف نفسه".
واعتبر أن خطورة القرار الأكبر هي إتاحة المجال للرئيس عباس مستقبلا، أن يسقط حصانة أي نائب يخالف توجهاته السياسية.
ويأتي القرار قبل نحو ثلاثة أسابيع من انعقاد المؤتمر السابع لحركة
فتح، المنوي عقده في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر الحالي، بحضور ما يقرب من 1300 من قيادات فتح وكوادرها، في ظل خلاف كبير بين عباس ودحلان، كان من أبرز تجلياته فصل عدد من القيادات المحسوبة على الأخير من حركة فتح، بينهم النائب في التشريعي جهاد طملية.
فاتحة للمزيد
ورأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ساري عرابي، أن "القرار قد يكون فاتحة لقرارات أخرى مشابهة، وسيفا مسلطا على الخصوم السياسيين للرئيس عباس داخل حركة فتح، لا سيما مع المعركة بينه وبين دحلان، دون أن تكون حماس في منأى عن ذلك"، وفق تقديره.
وبيّن عرابي في حديث لـ "عربي 21"؛ أن تشكيل المحكمة الدستورية كان يهدف، بالإضافة إلى ترتيب المشهد القانوني بعد عباس، إلى توفير غطاء قانوني للقرارات السياسية التي يتخذها أبو مازن في صراعه السياسي الداخلي مع دحلان، وهو ما يتضح من هذا القرار.
ولفت عرابي إلى أن القرار يؤكّد أن السلطة هي ملحق لحركة فتح، ودائرة من دوائرها. وقال: "ليس دفاعا عن دحلان الذي يمتلك تاريخا من التنسيق الأمني مع الاحتلال، والذي كان جزءا من انقسام دموي، إلا أن الأصل أن الصراع هو صراع تنظيمي، وألا تستخدم مؤسسات السلطة فيه، وأن يسقط التشريعي حصانة دحلان، إذا كان ارتكب ما يوجب ذلك، لا أن يأتي القرار من رئيس السلطة التنفيذية".
وتوقع أن يشهد المؤتمر السابع لحركة فتح المزيد من الخطوات الإقصائية ضد دحلان وتياره، ينتج عنها إخراجه من أطر الحركة وقيادتها، مع اتخاذ الرئيس عباس قرارا بمواصلة المعركة حتى النفس الأخير.