في عهد الجنرال المنقلب، الذي قال مقسما "أنه لو ينفع يتباع لباع نفسه"، حينما قال ذلك تندر الناس ولم يتصور البعض أن مقالته تلك، كانت إشارة إلى بيع كل ما يمكن بيعه، بدأ بالتنازل عن الحقوق المائية لمصر وتوقيع اتفاقية بناء سد النهضة الإثيويبي.
وامتدت لتشمل ثروات
مصر من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان وإسرائيل، علاوة على التنازل عن المطالبة بحقوق مصر في اتفاقية تصدير الغاز الموقعة في عهد مبارك 2005، ثم كانت الفاضحة في عملية بيع فادحة بيع جزيرتي
تيران وصنافير المصرية إلى المملكة العربية
السعودية.
فوجئ المصريون يوم الجمعة الموافق 8 نيسان/ أبريل 2016، بأجواء احتفالية غير عادية لزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة بعد محاولات استمرت أكثر من عام من جانب النظام المصري.
وفي مساء اليوم ذاته، فوجئ المصريون بالجنرال
السيسي يجلس مبتسما في مؤتمر صحفي بجوار الملك سلمان، ويتبادلان توقيع اتفاقية، وقعها عن الجانب المصري رئيس الوزراء شريف إسماعيل وعن الجانب السعودي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع.
لم يدر بخلد أحد من المصريين أن تلك الاتفاقية يمكن أن تتخطى مجرد البرتوكولات الدبلوماسية المعهودة أو الاتفاقيات التعاونية المشهودة في مثل هذه المناسبات، حتى جاء صوت المذيع الداخلي في المؤتمر الصحفي ليعلن الكارثة التي تم توقيعها بين الجانبين.
إنها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، التي بموجبها تنازل المنقلب عن جزيرتين مصريتين (تيران وصنافير في البحر الأحمر) للسعودية، هكذا بكل بساطة، هاتان الجزيرتان التي دفع المصريون ثمنا باهظا من دمائهم وقوتهم ومقدراتهم للدفاع عنها وأرض سيناء خلال العقود الماضية.
فكانت حروب 1956 ،1967 ،1973، وحنيما وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وقعت الجزيرتين ضمن المنطقة (ج) في إطار الترتيبات الأمنية الخاصة بسيناء في الاتفاقية وتقسيمها إلى ثلاث مناطق (أ)، (ب)، (ج).
لم يقتصر الأمر على مسألة التنازل عن جزيرتين لدولة أخرى، ففي اليوم التالي السبت الموافق 9 نيسان/ أبريل استقبل الملك سلمان في البرلمان المصري، بعد أن حصل على الجزيرتين قبل ساعات بموجب هذا الاتفاق، قام نواب هذا البرلمان المزعوم بمدح الرجل والثناء عليه بشكل مبالغ فيه لاحظه القاصي والداني.
خرج بعضهم يهاجهم المعارضين للاتفاقية ويتهمهم بالعمالة لدول أجنبية، كما استدعى بعضهم الشماعة الإخوانية كالعادة، وذهب البعض الآخر إلى استخدام اسلوب التهديد والسب العلني، قائلا: "دي قلة أدب واللي ها ينزل محتجا ها ينضرب بالجزمة"، وفقا للنائب ياسر عمر.
ومع تزايد الجدل على عرض الاتفاقية ومطالبات بعض المعارضين بعرضها على الاستفتاء، خرج رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، مصرحا بأنها لن تعرض على الاستفتاء بحجة غريبة للغاية "أن الجزيرتين كانتا وديعة عندنا وسلمناها لأصحابها، ومش محتاجين استفتاء".
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى تطوع إعلاني من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري بالدفاع عن سعودية الجزيرتين، من خلال حملة إعلامية صاخبة فاضحة استهدفت نشرت وثائق ومستندات وخطابات تنفى مصرية الجزيرتين بشكل اختلط على المتابعين، ودفعهم للتساؤل هل هذا هو مركز دعم واتخاذ القرار المصرى التابع لمجلس الوزراء المصرى أو لمجلس الوزراء السعودي، من فرط استماتة المركز في الدفاع عن اتفاقية البيع؟
اللافت للنظر، ويدعو للسخرية في الوقت ذاته، أن يعتمد المركز في دفاعه المستميت ضمن ما ساقه من وثائق وحجج على نص برقية سرية للسفير الأمريكي في القاهرة عام 1950، تثبت أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان.
هكذا صرنا نتنازل عن أجزاء من أراضينا بنصوص البرقيات السرية للسفراء الأجانب، الأغرب من ذلك أن تساق حجة أخرى تدل على عكس ما تساق إليه، وتتعلق بأن المملكة العربية السعودية سمحت لمصر في عام 1949 بالتمركز الأمني في الجزيرتين لمنع وصول العصابات الصهيونية إليها، بما يشكل خطرا على الدول العربية جميعا ومصر على وجه الخصوص.
نسي هؤلاء المستخدمين لهذه الحجة، أن السبب الذى سيق لتبرير هذه الخطوة -على فرض صحتها-ما زال قائما متمثلا في وجود الكيان الصهيوني بتوسعاته القائمة في الأراضي الفلسطينية وسيطرته على جزء لا يستهان به من المساحات المائية، سواء في البحر المتوسط أو البحر الأحمر، وصولا إلى تنقيبه عن الغاز مساحات شاسعة من تلك المياه الإقليمية.
وهذا سبب أدعى لبقاء الوضع على ما هو عليه، اللهم إلا إذا كان البعض قد خيل إليه أن اسرائيل لم تعد عدوا، فانصرف يبحث عن أعداء آخرين، فلم يجد إلا حركة حماس المقاومة للعدو الذي لم يعد عدوا لدى البعض، في ما أسمي بظاهرة "المتصهينة العرب".
ونسي هؤلاء أيضا، أن يخبرونا أين كانت المملكة العربية السعودية أثناء قيام نظام السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، التي ضمت الجزر إلى المنطقة (ج)، علما بأن المملكة ساعتها قد اتخذت خط مهاجمة السادات في اطار هجوم ومقاطعة جماعية من الدول العربية التي اتهمت السادات بالخيانة.
وكانت من المشجعين لنقل الجامعة العربية من مصر لتونس، نسي هؤلاء المتصهينة العرب أن يخبرونا أين كانت المملكة وجزرها تدخل ضمن حدود دولة أخرى، وفقا لاتفاقية لفتت أنظار العالم أجمع، وتمت برعاية أكبر دولة في العالم.
ونسي هؤلاء أن يجيبونا على السؤال الرئيس، إذا كانت الجزر سعودية، فلماذا لم تطالب بها السادات في عز خلافها معه، ولماذا لم تعرقل اتفاقية السلام بدعوى أنها شملت أراض دولة أخرى، لماذا لم تطالب بها في هذا التوقيت ولماذا طالبت بها الآن؟
لا ندري كيف سيجيب المتصهينة العرب على هذا السؤال، ولكن يمكننا أن ننصحهم بمتابعة الصحف
الإسرائيلية التي تناولت القضية من زاوية أخرى تماما لا تروق للمتصهينة العرب، فتنازل مصر عن الجزيرتين جاء في إطار اتفاق رباعي مسبق بين مصر وإسرائيل والسعودية والولايات المتحدة يستهدف توسيع دائرة السلام بين إسرائيل ودول عربية أخرى.
هكذا قالت الصحف الإسرائيلية، وهكذا فسر الصهاينة الاتفاقية، ولا عزاء للمتصهينة العرب.