يواجه تنظيم
القاعدة في
اليمن متغيّرات عدة، على وقع الحرب المدمرة التي تشهدها البلاد والمنطقة برمتها، حيث من المتوقع أن تشكل تلك المتغيرات سياقات مؤثرة، تدفع التنظيم إلى التعامل بجدية مع طبيعة آثارها التي تهدد وجوده عبر تبديل استراتيجياته، وهو ما بدا جليا على الأرض.
ولعل أبرز المتغيرات إعلان
جبهة النصرة في سوريا انفصالها عن التنظيم الدولي للقاعدة الذي سيلقي بتداعياته على قاعدة اليمن، نظرا لحالات الارتباط الوثيقة بين الفرعين خلال الفترة السابقة، إلى جانب الحملات العسكرية التي شنتها القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، بإسناد من القوات الجوية لدول التحالف الذي تقودها السعودية، كمتغير ثان، فرض على التنظيم اليمني الانسحاب من المدن الخاضعة لسيطرتها في جنوب وشرق البلاد، والتي باتت هدفا عسكريا لقوات الرئيس هادي قبل أشهر.
فك ارتباط جبهة النصرة في سوريا بتنظيم القاعدة الذي يقوده أيمن الظواهري، وإعلان ذلك بشكل رسمي في تموز/ يوليو الماضي، مثل صدمة كبيرة لدى الفرع اليمني الذي انحاز إلى "النصرة" بعد اشتداد خلافاتها مع
تنظيم الدولة الذي كان الأقرب لجناح القاعدة باليمن.
ويستند هذا الطرح إلى أن جبهة النصرة كانت سبب الخلاف بين تنظيم القاعدة وبين تنظيم الدولة، وهذا الأمر بات معروفا خلال العام الماضي، واتخاذ القرار بفك الارتباط يعني أن قاعدة الجهاد في اليمن، كما يحلو لها هذه التسمية، بنت خلافها وفقا لوجهة نظر فصيل متقلب أي النصرة.
الجديد في هذا الأمر أن انفصال النصرة عن القاعدة الأم، يشير إلى أنها استخدمت الفصيل اليمني فقط في صراعها مع تنظيمها الرئيس الذي انشقت عنه في 2 من شباط/ فبراير من العام 2014.
المعطى الآخر، أن فرع قاعدة اليمن كان أقرب إلى تنظيم الدولة منه إلى تنظيم القاعدة، وعارض تصنيف النصرة لتنظيم الدولة كخوارج، قبل أن يعود إلى مذهب الفرع السوري بعد أن اشتد الخلاف مع الدولة، لتتسارع الأحداث وصولا لأن تتخلى جبهة النصرة عن القاعدة العام الجاري.
وبناء على المعطيات السابقة، فإن انفصال النصرة عن قاعدة الظواهري، سيكون له تأثيرات على قاعدة اليمن التي ترتبط بصلات وثيقة بأقوى الجماعات المسلحة في سوريا، قد تساهم في خلق انشقاقات داخلية لديها (أي القاعدة)، ذلك أن هذا المنحى المتوقع يصب في صالح تنظيم الدولة ويقوي حجته ويشكل مصدر جذب يمّكن الأخير من استقطاب عناصر في القاعدة لصفوفه، وهو ما يغذي الصراع بين التنظيمين كأحد المتغيرات الذي يواجه الجناح اليمني للقاعدة.
تقويض عسكري وتنظيمي
وفي هذا السياق، يقول الخبير والباحث اليمني في ملف القاعدة، سعيد الجمحي، إن انشقاق "النصرة" عن القاعدة الأم من الممكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى تقويض التنظيم عسكريا وتنظيميا، وهذا الأمر ظهر جليا في العراق الذي لم يعد لتنظيم القاعدة أي وجود تنظيمي رسمي به، كناتج مباشر لانفصال تنظيم الدولة عنه.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21"، أن قاعدة الجهاد في اليمن لا شك أن قرار جبهة "النصرة" سيؤثر عليها من خلال "فقدانها لكوادر التنظيم في بلاد الشام، الذين كانوا يمثلون دعما نوعيا ومتميزا لها".
لكنه أشار إلى أن الفرع اليمني سيبدو على قدر من الاعتدال في تفهم ما يحدث، والظهور كطرف لا تعنيه الانشقاقات أو الانسحابات، بمقدار ما يهمه الأداء الميداني وتحقيق الانتصارات.
وقال الباحث اليمني إن جماعة القاعدة ستعتمد أكثر في حركتها على كوادرها اليمنيين، فضلا عن محاولتها عدم الانجرار في أتون الصراعات التي نشأت جراء ما حدث خارج البلاد.
أستبعد أي تأثيرات
في المقابل، يرى الصحفي والكاتب في شؤون الحركات الإسلامية، أمجد خشافة، أن انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة سيكون تنظيميا، لكن البناء الفكري سيظل هو القاسم المشترك بينهما، وبناء على ذلك "لا يبدو حدوث أي تأثير على جماعة القاعدة باليمن"، نظرا لأن ارتباطات التنظيم الدولي للقاعدة بفروعها لا تقوم على تنظيم مركزي.
وقال خشافة في حديث خاص لـ"
عربي21"، إن تغيير جبهة النصرة لاسمها إلى "فتح الشام" ضمن التحول الجديد، فإن القاعدة باليمن قد ظهرت باسم "أنصار الشريعة" في العام 2011، عقب سيطرتها على محافظة أبين جنوبي البلاد.
فضلا عن ذلك، يواجه تنظيم القاعدة الحملات العسكرية المتكررة لقوات الجيش وفصائل مسلحة موالية للحكومة بإسناد من دول التحالف، على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وهذا المتغير يهدد وجودها، ولذلك لجأ إلى تكتيك جديد تمثل بالانسحاب السريع من المناطق المستهدفة، دون أي معارك باستثناء اشتباكات متقطعة، والانتشار في المناطق البعيدة عن تواجد القوات الحكومية والتي يحظى بنفوذ اجتماعي فيها.
ففي نيسان/ أبريل من العام الجاري، شنت القوات الحكومية بدعم مباشر من قوات خاصة سعودية وإماراتية منضوية في التحالف العربي، ومشاركة عدد محدود من الجنود الأمريكيين، عملية واسعة لطرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، انتهت بانسحاب عناصر التنظيم دون أي معارك سوى تسجيل بعض الاشتباكات المحدودة في مناطق الإطراف.
وفي التاسع من آب/ أغسطس الماضي، انسحب مقاتلو القاعدة من مدينة عزان الاستراتيجية في محافظة شبوة (جنوب شرق) بعد غارات جوية شنها الطيران الحربي للتحالف العربي على نقاط تمركزها بالمدينة.
وفي 14 من آب/ أغسطس، استعادت وحدات من الجيش اليمني بدعم من القوات الإماراتية المنضوية في التحالف العربي، السيطرة على ثلاث مدن كبرى في محافظة أبين (جنوبا) دون قتال، عقب انسحاب عناصر القاعدة منها، وذلك في إطار الحملات العسكرية لتقليص نفوذ التنظيم في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد.
ويشير هذا المعطى إلى أن جماعة القاعدة، أقوى الجماعات المسلحة باليمن، أسقطت خيار المواجهة مؤقتا، عقب تقييمها لكلفة المعركة مع القوات المدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية، ولذلك لجأت للانسحاب من مدن تحتل أهمية إستراتيجية، إلا أن عناصر القاعدة لا يزالون يحظون بتواجد في المناطق الداخلية في تلك المدن، وهذا الخيار من منظور التنظيم، أفصح عنه القيادي البارز في تنظيم القاعدة خالد باطرفي، في آيار/ مايو الماضي، حيث قال: "آثرنا أن نقاتل العدو كما نريد نحن لا كما يريد هو".
ضعف وإعادة ترتيب أوراق
وبهذا الخصوص، أرجع رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبد السلام محمد، لجوء تنظيم القاعدة للانسحابات إلى أسباب عدة منها "حالة الضعف الذي دب في جسد التنظيم، والحرب مع التحالف العربي، باتت جدية مهدت لها ضربات الطيران التابع للتحالف".
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن هناك سبب آخر يتمثل في محاولة القاعدة إعادة ترتيب أوراقها بعد خسارتها لحاضنتها الاجتماعية في المدن التي سيطر عليها الجيش اليمني واللجان الشعبية الموالية له.
وتوقع محمد ارتفاع وتيرة هجمات عناصر القاعدة في المدن التي شهدت عمليات عسكرية ضدها، متهما نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحلفاءه في جماعة الحوثيين، بـ"الإفراج عن العديد من أعضاء القاعدة المحتجزين في السجون الخاضعة لسيطرتهم أي "الحوثي وصالح"، مؤكدا أن الهدف من ذلك خلط الأوراق عبر "تصعيد القاعدة لعملياتها العسكرية" ضد القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا. لكن لا توجد أدلة على ذلك.
ومن المتغيرات التي طرأت على المشهد اليمني، اتجاه التنظيم اليمني إلى "الجهاد الفردي" أو ما يعرف بـ"الذئب المنفرد" في هجماته ضد خصومه من القوات الحكومية، ففي آيار/ مايو الماضي، نفذ عنصر تابع للقاعدة، هجوما انتحاريا استهدف قائد المنطقة العسكرية الأولى، عميد ركن، عبد الرحمن الحليلي، أدى إلى إصابته ومقتل ثمانية من مرافقيه.
وفي الشهر نفسه، تعرض حاكم محافظة عدن الساحلية، عيدروس الزبيدي، ومدير شرطة المدينة، شلال علي شائع، لهجوم نفذته القاعدة، أسفر عن إصابة "شائع" بجروح بالغة نقل على إثرها إلى الإمارات للعلاج، ومقتل عدد من أفراد الحراسة التابعين للمسؤولين الحكوميين.
ويمثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي يتخذ من اليمن مقرا له، منذ اندماج الفرعين السعودي واليمني في كانون الثاني/ يناير 2009، هاجسا أمنيا للغرب في بلد يمتلك موقعا استراتيجيا، ويسيطر على مضيق باب المندب الذي يمر منه 60 في المئة من نفط العالم.