ملفات وتقارير

لماذا تخلف العراق عن دول المنطقة في التطبيع مع سوريا؟

زارت وفود عربية وغربية عدة دمشق للقاء الإدارة الجديدة في سوريا- (حساب القيادة العامة)
رغم تسابق العديد من الدول الغربية، وبلدان المنطقة، ولاسيما الجوار السوري، إلى زيارة دمشق وعقد لقاءات مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، إلا أن العراق توقف عند البيانات الحكومية الرسمية، التي اكتفت بالتأكيد على "احترام الإرادة الحرة للسوريين".

ويواجه موقف العراق الحالي انتقادات واسعة من وسائل إعلام محلية، وحتى من  العديد من المراقبين السياسيين الذين أكدوا في حديث مع "عربي21" ، أن "التأثير الإيراني" سبب رئيسي في تأخر التطبيع العراقي مع الواقع الجديد في سوريا، وحكومتها الانتقالية.

تأثيرات إيران

وبخصوص أسباب تأخر العراق عن غيره من البلدان في إرسال وفد إلى دمشق، قال المحلل السياسي العراقي رعد هاشم، إن ذلك يعود إلى "كونه خارج منظومة الدول التي ساهمت بالتغيير في سوريا، إضافة إلى جهلة بمدى استقرار الوضع السياسي هناك وكيفية تجانس الفصائل".

وأضاف هاشم لـ"عربي21" أن "الجهات الحاكمة في سوريا اليوم، لا تنتمي إلى بيئة المشهد السياسي التي تحكم في العراق، لذلك تنتاب الأخيرة الريبة مما يحصل في الجانب السوري، وممن يمسك بزمام الأمور هناك".

وأشار إلى أن "الحكومة العراقية مكونة من أطراف عديدة في الإطار التنسيقي (الشيعي)، ومن ضمنها فصائل وجهات متطرفة في مواقفها ورأيها، وهي توالي إيران بالكامل وترفض التجانس مع الواقع في سوريا".

وبحسب هاشم، فإن "مليشيا النجباء الموالية لإيران تخطط للتدخل في سوريا والاشتباك مع الفصائل هناك، وذلك لاستباق أي ضربة تستهدفها في العراق، وهذا ربما بدفع من إيران".

وأوضح الخبير العراقي أن "هدف النجباء من تحركهم للتدخل عسكريا في الشأن السوري هو الضغط على الأمريكيين لإيقاف أي استهداف قد يطالهم من مقابل عدم التدخل في الشأن السوري. لكن هناك إرادة دولية لتثبيت النظام الجديد في سوريا".

ولفت هاشم إلى أن "قوى الإطار منقسمة إلى معسكرين، الأول يسعى إلى مواكبة الدول التي تسعى إلى تفاوض مع سوريا، والثاني معسكر متشدد ويتمثل في مليشيا النجباء، وفصائل أخرى معها".

وأشار إلى أن "نظام الحكم في العراق كان من أشد الداعمين لبشار الأسد، لذلك عندما تعود علاقة بغداد مع دمشق، فإنها ستكون لأغراض مصلحية صرفة من أجل تمشية أمور عالقة بين البلدين".

وأكد هاشم أن "أوراق التهديد لدى الغرب موجودة ولاسيما التقسيم في العراق، في حال أي إعاقة من الأخير للانتقال السلمي في سوريا، لذلك فالحكومة العراقية وربما رئيس الوزراء محمد شياع السوداني شخصيا، يقيس الأمور بوتيرة حساسة".

وفي السياق ذاته، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي لـ"عربي21"، أنه  "رغم كل الأذى الذي تعرض له العراق من نظام بشار الأسد، عبر التفجيرات التي نفذها جهاز مخابراته في بغداد، فإن معظم الحكومات العراقية كانت داعمة له".

وأوضح الفيلي أن "طبيعة التغيير الحالي الذي شهدته سوريا، ربما ولدت مخاوف من الذهاب باتجاه دعم النظام الجديد في دمشق، رغم أن الحكومة العراقية أعلنت أنها تحترم خيار الشعب السوري، لكنها لم تكن أسوة بالدول الأخرى التي ذهبت إلى دعم الحكومة الانتقالية السورية".

وأردف: "الحكومة العراقية لا تزال في موقف المترقب المنتظر، وهذا إما يكون محاولة لإرضاء بعض الأطراف الداخلية التي تحاول أن تشيطن النظام السياسي الجديد في سوريا، أو أن إيران إذا ذهبت لافتتاح سفارتها في دمشق، فإن حكومة بغداد ستمضي وراءها".

وأرى الفيلي أهمية أن "يتعامل العراق مع النظام السياسي في سوريا كمتغير بات واقع حال، وأن يقدم المصلحة الوطنية العراقية، لأن أي مؤشر للابتعاد عن حكومة دمشق حاليا- المدعومة إقليميا وغربيا- سيعطي انطباعا بأن العراق ما زال أقرب إلى المحور الإيراني من المحيط العربي".

ولفت إلى أن "الحكومة العراقية الآن حذرة وقلقلة، فهي تراعي وضعها الداخلي وتراعي التأثيرات الإيرانية في هذا الصدد، لذلك فإن كل الفصائل بالعراق وحتى بعد سقوط الأسد، تعتقد أن النظام الجديد في سوريا لا يمثل شكلا من أشكال المقاربات معه".

"ارتباك عراقي"

وشدد أستاذ العلوم السياسية على ضرورة أن "توازن الحكومة العراقية بين الوضع الحالي الداخلي مع علاقاتها الخارجية، فهي أعلنت عن فتح السفارة في دمشق، لكن بقي إرسال وفد دبلوماسي، إضافة إلى مبادرة حسن نية في موضوع تصدير النفط".

وأوضح الفيلي أن "على الحكومة ألا تقطع النفط الذي تقدمه إلى سوريا والبالغ نحو 12 ألف برميل كانت تزود به دمشق سابقا.. وبالتالي حتى تعطي رسالة إلى المجتمع الخارجي على أن العراق قادر على صياغة علاقاته الخارجية بتحرر من الضغوط الإيرانية".

وفي المقابل، رأى المحلل السياسي، أثير الشرع، أن "الحاكم الجديد في سوريا كانت لديه نشاطات مسلحة على الأراضي العراقية عام 2006، وفي مرحلة نشاط تنظيم الدولة، لذلك فإنه عندما تسلم الإدارة في البلاد فقد بات العراق لديه موقف منه".

ونفى الشرع، خلال مقابلة سابقة مع قناة "بي بي سي" أن يكون قد شارك في القتال الطائفي أو قتل العراقيين سابقا، لكن وجوده في العراق كان لقتال القوات الأمريكية.

وأضاف المحل السياسي أثير الشرع لـ"عربي21" أن "العراق لا يمكن أن يعترف بسهولة بالتحول الذي جرى في سوريا، لكن ضغوطات الولايات المتحدة الأمريكية على بغداد دفعتها إلى الاعتراف والترحيب بما حصل هناك، إضافة إلى احترام إرادة الشعب السوري".

وأشار إلى أن "هناك بعثة دبلوماسية سورية في العراق وجرى رفع علم سوريا الجديد على مبنى سفارة دمشق، لكن بغداد تأخرت في إرسال بعثتها الدبلوماسية تعبيرا عن عدم قبول ما حصل من تغيير نتيجة للمواقف السابقة للشرع، وأن العراق يتأنى حاليا في إرسال مبعوث دبلوماسي إلى سوريا".

وأكد الباحث العراقي أن "العراق قريب جدا من الإدارة الإيرانية وهو جزء من محور يربطها معها، لذلك فإن إيران لديها نفوذ كبير في البلد، ولا يمكن أن نقول إن الأخير يحاول عدم الاستسلام لضغوطات طهران".

ومن جهة أخرى، يؤكد الخبير العراقي، أن "الحكومة العراقية منشغلة حاليا في الظرف الداخلي وتنتظر من بعض القوى السياسية تنفيذ الشروط الأمريكية، وتحديدا ما يتعلق بحل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة".

وتابع: "لذلك فإن هناك ارتباكا داخليا عراقيا، قد يكون هو السبب الرئيس وراء عدم إرسال الحكومة العراقية أي مبعوث إلى سوريا للاعتراف بالحكومة الانتقالية، أسوة بما تفعله الدول العربية في المنطقة".

وبخصوص ما تسرب عن زيارة السياسي السني خميس الخنجر، ولقائه مع الشرع في دمشق، قال الفيلي إن "الخنجر في حسابات السياسة هو الأقرب إلى رئيس الوزراء العراقي، وقد يكون يحمل رسالة حكومية في هذا الصدد، وبالتالي فلا تريد الحكومة إحراج نفسها بمثل هذا الموضوع".

ولفت إلى أن "الخنجر ذهب بوساطة تركية، وأن كل الفصائل السورية هي قريبة من تركيا أيضا، ولكن المتغير الذي حصل في سوريا هو يحظى باحترام الحكومة العراقية وبدعم كل قوى الاعتدال الشيعي".

وأكد الفيلي أن "هناك جهات عراقية تنتظر الفرصة للتربص بالنظام السياسي السوري الجديد، لكن الحكومة ليست من ضمنها".

وخلال مقابلة سابقة مع قناة العراقية الرسمية، أكد السوداني أن بلده بالتأكيد ليست ضد التواصل مع الإدارة في سوريا طالما أن هناك مصلحة لاستقرار سوريا والمنطقة، مؤكدا عدم حصول أي اتصال بينه وبين الشرع حتى الآن.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع