أصبحت
الحواجز الأمنية التي يقيمها النظام السوري وشبيحته على طرقات حلب بؤر لبيع الحشيش لكل وافد عليها، حتى طلاب المدارس والجامعات أصبحوا من زبائن
الشبيحة المفضلين في ظل الأوضاع المتردية التي يرزحون تحت ظلها.
قال أحد الطلبة الجامعيين ويدعى "أنور" في تصريح لـ"
عربي21"، إن سعر السيجارة الواحدة بين أربعة آلاف وخمسة آلاف ليرة سورية، يدخنها المدمون بحلب لأنها، بحسب قولهم، "تستحق أكثر من ذلك، وأن مفعولها عجيب خاصة في هذه الأيام الصعبة التي يتمنى المرء الانفصال عنها ولو لدقائق قليلة".
وكشف "أنور" أن عددا من زملائه يتعاطون مادة الحشيش المخدر، وأن أحد أصدقائه أخبره عن آلية حصوله عليها قائلا إن "أحد عناصر الشبيحة الموجودين في حي شارع النيل حيث يقيم، يؤمن له ثلاثة سجائر فقط في الأسبوع مقابل عشرة آلاف ليرة سورية، ويزيد السعر وينقص بين مرة وأخرى".
ويشرح أنور "عدد من عناصر الشبيحة يتجولون مساء في محيط حديقة السبيل ويروجون لبضاعتهم بأشكال مختلفة من خلال احتكاكهم بزائري الحديقة الذين ازداد عددهم خلال الشهر الأخير بعد سيطرة النظام على حي بني زيد، إذ أصبحت الحديقة أكثر أمانا هذه الأيام، فيعقدون الصفقات مع الشبان في ذلك المكان، وينتقون الزبائن انتقاء، إذ لا يمكن عرض بضاعتهم على أي شخص إلا بعد معرفة مستواه المادي ووضعه الاجتماعي وذلك من خلال لباسه ومظهره الخارجي وسلوكه، وغالبا ما ينجحون في تجارتهم".
لم تكن مدينة حلب في السابق بعيدة عن تجارة
المخدرات، بل إن الكثير من تجارها كانوا يعملون بهذه المهنة وبكل احترافية، فيما كانوا يوجدون مشاريعهم التجارية من ذلك المال الأسود الذي يتحول بسهولة إلى مال مشروع.
عائلات عدة تخصصت في هذه التجارة عبر عشرات السنين، واليوم أصبحت تقف بجانب النظام السوري وتدعمه وتقويه، بل أمنت له منذ بداية الحراك الشعبي في
سوريا ما بات يعرف بـ"الشبيحة" وهم أحد أهم أدوات القمع لنظام الأسد.
وأكد أكثر من شخص لــ "
عربي 21"، أن موضوع بيع سيجارة الحشيش لم يعد أمرا مستهجناً أو مخفياً بكل جديته، بل صار أمراً مطروقاً في صفوف الشبيحة الذين يستغلون وقوفهم على بعض الحواجز وبمساعدة عناصر الأمن، ليبيعوا أكبر عدد ممكن من السجائر.
يروي "صفوان" وهو موظف حكومي، الطريقة ويقول: "بحجة مشاهدة الأوراق الثبوتية، يتقدم الشبيح إلى السيارة التي يكون سائقها أحد زبائنه، فيسلمه سجائر الحشيش ويأخذ منه المال بسرعة خاطفة، وهذا ما شاهدته أكثر من مرة، إحداها كان المتعاطي أحد أصدقائي وكنت أجلس بجانبه في سيارته".
ويستطرد في تصريح لـ"
عربي21": "لا أعرف من أين يأتي الشبيحة بالحشيش المخدر، وهل مازال هنالك طرق لتهريبه وتأمينه من خارج سوريا، أم أنه يزرع في الداخل في أماكن معينة ومن ثم يتم تجهيزه وبيعه، لكن توفره بكثرة هذه الأيام يؤكد أن هنالك من يهتم بهذه التجارة ويقوم بالإشراف عليها، وغالباً ما يكون المسؤولون عنها من الشخصيات التي يسهل مرورها على الحواجز دون تفتيش".
يعتقد الطالب الجامعي "أنور" أن الحشيش المخدر يزرع في المناطق الساحلية وينقل إلى حلب بطرق آمنة، عبر العسكريين حصراً، ويقول: "على الرغم من أن مدينة أعزاز الحدودية كانت شهيرة بالنسبة لمحافظة حلب باعتبارها نقطة للتهريب كانت تمر منها الكثير من المواد المهربة ومن ضمنها الحشيش القادم من تركيا، إلا أنني أستبعد في الوقت الحالي أن يكون هذا الطريق هو الذي يمرر الحشيش المخدر، فالوضع العسكري والأمني على طول هذه المسافة إلى مدينة حلب سيجعل الأمر مستحيلا. أعتقد أن الحشيش يأتي من المناطق الساحلية حيث من الممكن زراعته في الجبال، كما يسهل نقله إلى حلب".
فيما يتوقع "صفوان" أن مدينة أنطاكيا التركية الحدودية هي المصدر الرئيس لتوريد هذه المادة، ويقول: "سابقاً كان بعض المزارعين الأتراك في منطقة أنطاكيا والجبال المحيطة بها يزرعون مادة الحشيش أو نبتة القنب، ويقومون بتهريبها إلى إدلب واللاذقية، أعتقد أن هذه الطريقة القديمة الجديدة ذاتها، لكن الفلتان الأمني الذي تعيشه البلاد يجعل النشاطات الربحية المشبوهة على اختلاف أنواعها سهلة أكثر من السابق".
بينما يستغرب أنور أن يكون من ضمن ضحايا جشع الشبيحة أولئك الطلاب الجامعيين من زملائه، "على الرغم من أنهم أبناء عائلات ميسورة، لكنني أرى أنهم في طريق الفقر والفشل، فلا نجاح مع المخدرات".