تشهد العاصمة الليبية "
طرابلس" حالة من الصراع غير المعلن بين
المجاميع المسلحة "الرسمية" وغير الرسمية التي تقوم بتأمين المدينة والحكومة وبعض مؤسسات الدولة هناك. وهذا الصراع "المحتمل اندلاعه قريبا" ناتج عن اختلاف في التوجهات والمصالح ومراكز القوى المتواجدة في العاصمة.
وشهد الأسبوع الأخير من شهر آب/ أغسطس المنصرم، بعض المناوشات بين هذه الكتائب، وتحديدا بين كتيبة "ثوار طرابلس" التي يقودها هيثم التاجوري وبين قوات تابعة للمجلس الرئاسي، في محاولة الأول للسيطرة على مقر تابع للمخابرات العامة، ولكن سرعان ما انتهت الأزمة وعاد كل فصيل إلى مكانه.
وتتمثل أكبر المجموعات المسلحة التي تقود هذا الصراع حال حدوثه، في مجموعة قوات "الردع" التي يقودها عبد الرؤوف كارة، وهي "مليشيات" تتبع وزارة الداخلية وتعتبر الذراع الطولى للمذهب "المدخلي" (المداخلة: مجموعات تنتهج فكر رجل الدين السعودي ربيع مدخلي وهم يحرمون الخروج على ولي الأمر وبعضهم ناصر القذافي)، وهو تيار متغلغل في وزارة الداخلية وجهاز الأمن الداخلي منذ أيام معمر القذافي.
ويقابل هذا التيار مجموعات ثوار "17 فبراير" وأغلبها مجموعات رسمية تابعة لرئاسة الأركان الليبية ووزارة الداخلية أيضا، ويقومون بتأمين العاصمة، ومؤخرا قتال تنظيم الدولة في مدينة سرت الساحلية.
مراكز قوى
ويضاف إلى ذلك، وجود ثلاث شخصيات جدلية في طرابلس لها قوتها وكتائبها، أولها عبد الرؤوف كارة، سالف الذكر، والثانية: هيثم التاجورى آمر كتيبة "ثوار طرابلس"، من منطقة سوق الجمعة وعليه عدة قضايا من بلطجة وسرقة أموال عامة ومهاجمة مؤسسات الدولة، وهو صاحب القضية الشهيرة التي قام فيها باختطاف رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين، ولفق له تهمة الدعارة مع إحدى الموظفات.
أما الثالث؛ فهو هاشم بشر، وهو مسؤول في وزارة الداخلية، ورغم انتمائه للثورة من بدايتها وقيامه بدور كبير في محاولة دمج الثوار في المنظومة الرسمية، إلا أن غيابه عن المشهد ووقوفه في المنطقة الرمادية دائما وسط الصراعات الكبرى وضعت حوله علامات استفهام.
وفي محاولة لمنع وقوع هذا الصراع، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الأربعاء الماضي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، قرارا يقضي بتعيين العميد نجمي الناكوع آمرا لجهاز
الحرس الرئاسي "الذي أسسه في مايو (أيار) الماضي".
وأوضح القرار رقم (2) لسنة 2016، المهام المكلف بها الحرس الرئاسي، وهي تأمين المقرات الرئاسية والسيادية والمؤسسات العامة والأهداف الحيوية، بما في ذلك منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية ومصادر وخطوط المياه ومحطات الطاقة الكهربائية، وأي مهام أخرى يكلف بها.
صدام سياسي
ويرى عضو المؤتمر الوطني السابق فوزي العقاب، أن العاصمة طرابلس منذ اندلاع ثورة فبراير (شباط) 2011 وهي تتقاسمها كتائب مسلحة مختلفة التوجه والمصالح، لم تستطع أن تظل بمعزل عن الصراع السياسي عبر مراحله إلى الآن.
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21": "في تقديري أن المشهد العسكري سواء في طرابلس أم غيرها هو انعكاس لحالة القطيعة التامة بين القوى السياسة المختلفة، وما دام أنه لا وجود لوفاق سياسي فسيظل الصدام المسلح أقرب الاحتمالات".
ويقول المحلل السياسي الليبي أحمد الروياتي، إنه لا يعتقد أنه ستدور أي معارك في العاصمة "لأسباب: أولها أن من يحاول التحشيد لهذا الأمر قلة قليلة تخالف المنطق والموجود؛ وثانيا أن الأكثرية من القوات الموجودة في طرابلس مؤمنة أو تابعة لفكرة التوافق ومخرجاته؛ وثالثا أن من دعا وروج لهذه الحرب أصبح ورقة محروقة لدى جل الشباب المقاتل، ولم يعودوا يؤمنون بما يروجه ويسوقه".
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عمر المختار الدكتور رمضان بن طاهر، لـ"
عربي21": "في مثل هذا الوضع المتوتر والقابل للانفجار أتوقع أحد أمرين: الأول، الدخول في حرب شوارع وفوضى لا يمكن السيطرة عليها وهذه المعادلة تمر بها أغلب البلدان التي تتعرض لحروب أهلية وليبيا ليست استثناء؛ والثاني، القبول بالمحاصصة السياسية عملًا بمبدأ: المحاصصة وحقن الدماء".
اتفاق نفوذ
ويقول العقيد عادل عبد الكافي، وهو طيار حربي تابع لرئاسة الأركان في طرابلس: "معظم التشكيلات المسلحة في العاصمة بينها بعض التفاهمات بدون اتفاقيات على عدم إدخال طرابلس في صراع مسلح، وقد التزمت معظم هذه التشكيلات بهذا الأمر ما دام كل تشكيل لا يتعدى على مناطق نفوذ الآخر".
ويضيف لـ"
عربي21": "أتصور أن ممارسات هذه التشكيلات التابعة للمجلس الرئاسي ومحاولاتها توسيع مناطق نفوذها ومحاولاتها أيضا الاستيلاء على مقرات تحميها تشكيلات أخرى مع العامل الأهم وهو بداية سخط كبير على (الرئاسي) وأدائه وعلى عدم قدرته على تحجيم التشكيلات الموالية له ووجود بعض التشكيلات التي ترفض الاتفاق السياسي ومخرجاته.. كلها مؤشرات قد تنذر ببداية صراع ما بين هذه التشكيلات إن لم تتدخل
حكومة الوفاق".