حين تشاهد فيلما عربيا يمكنك من البداية التنبؤ بنهايته، وفي أحيان كثيرة يكون بمقدورك التنبؤ بالمشاهد وسير الأحداث.
ويتكرر هذا بشكل ممل منذ الانقلاب، حتى إن المشاهدين أصبحوا يتعاملون مع الأفلام العسكرية بنوع من اللا مبالاة، وقد انكشفت كل الأوراق على الطاولة، ولم يعد لدى هؤلاء جديد يقدمونه.
ماكينات العرض العسكرية لا تكف عن العمل منذ انقلاب 1952، تبث مشاهد وهمية عبر صفحات الجرائد وشاشات القنوات على مدار اليوم، ولكن الماكينات نفسها أصيبت بالصدأ، ولم تعد قادرة على العمل كما ينبغي.
تابعتُ ردود أفعال الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي عندما بدأت صحف الانقلاب في نشر فضائح وزير تموين الانقلاب، وأعني هنا شريحة الشباب. ومعظمها كانت ردود أفعال باهتة تعاملت مع الأمر بعدم اكتراث وتراخِ بدا واضحا، ويعني هذا نموا متزايدا في فهم عقلية العسكر وأدواتهم الإعلامية.
كثيرون أدركوا منذ اللحظة الأولى أن نشر أخبار عن الفساد المالي لأحد وزراء الانقلاب ما هو إلا تمهيد لإقالته، وكثيرون أدركوا أن إقالة وزير تموين الانقلاب ما هو إلا محاولة من العسكر لإطفاء الغضب الشعبي المتصاعد مع قرض صندوق النقد الدولي، وزيادة أسعار الكهرباء، والتمهيد لرفع الدعم.
الثورة أحدثت شرخا في الجدار الذي حال بيننا وبين الرؤية عقودا طويلة. فصار بمقدور الشعب أن يرى النفايات التي يحرص العسكر على إخفائها خلف شاشة العرض التي لا تتوقف.
ربما انطلى مشهد أو اثنان على المشاهدين، لضخامة الإنتاج، كخدعة هشام جنينة وكخدعة حسان، وهما سلاحان استخدمها العسكر، ولم يصيبا هدفا، إلا لأن البعض في معسكر الثورة يصر على الانخداع وقلت وقتها أن هناك معيارا ثابتا لا يتغير في التعامل مع تلك الأفلام، الأمر شديد البساطة، فكل من قبل العمل مع العسكر الذين انقلبوا على أصوات ملايين الناخبين واختطفوا الرئيس الشرعي، ثم ارتكبوا كل تلك المجازر، وأراقوا كل تلك الدماء، شخص لا يتمتع بأدنى وازع من ضمير.
ليس الأمر معقدا إلى هذا الحد، طبق هذه القاعدة وسيحميك هذا من ألاعيب مخابرات العسكر التي لا تتوقف.
ربما تعلم الجميع الآن تلك الألاعيب، وهو ربما السبب الذي جعل الكثيرين يتعاملون دون اكتراث مع زفة إقالة وزير التموين الانقلابي، وينظرون بكثير من الشماتة لصوره ملتحيا قبل الانقلاب على الرئيس مرسي.
فهو أحد أكثر الوجوه التي كرهها الشعب من بين وزراء الانقلاب، وأعترف هنا أنني اشعر ببغض شديد كلما شاهدت صوره، وأظن أن كثيرين يشاركونني المشاعر ذاتها، فوجهه يذكرني بالدكتور
باسم عودة، يذكرني بصورته وهو يقف بين سنابل القمح وينظر في طيبة لا تخلو من تصميم إلى المساحة المزروعة على مدى البصر، يذكرني وجهه بالوزير الباسم الذي لم يكن يستنكف أن يقفز فوق عربات الأنابيب ليفحصها.
أذكر فيديو للدكتور باسم عودة وإحدى المذيعات تحاوره بعد أن أذاعت تقريرا مكذوبا حاولت به أن تتحدث عن أزمة أنابيب مكذوبة، فرد عليها الرجل بالأرقام.
الرجل الذي أحبه
المصريون، واعتبره العلمانيون خطرا على مشروعاتهم، واشترط البرادعي إقالته، الرجل الذي ائتمنه الرئيس مرسي على طعام المصريين يقبع الآن أسيرا محروما من أسرته، لا لشيء، إلا لأنه رفض المشاركة في وزارة انقلابية.
أعلم أن الكثيرين الآن حتى ممن هللوا للانقلاب يفتقدون دكتور باسم عودة، ويدركون أي كارثة تسببوا فيها حين يقرأون أن وزير تموين الانقلاب انفق 7 ملايين جنيه على عدة ليال في فندق.
وأزعم أن كثيرين منهم يتذكرون دكتور باسم عودة وجولاته في أفران الخبز، ويدركون أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.