نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن نجاح الثوار السوريين في كسر الحصار عن مدينة
حلب، العاصمة الاقتصادية في الشمال السوري، وهو انتصار اشتركت في تحقيقه الفصائل المقاتلة مع "جبهة فتح الشام"، التي كانت اسمها "جبهة
النصرة" إعلانها فك ارتباطها بتنظيم
القاعدة الشهر الماضي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه من قواعد الحرب السورية أنه كلما استمر الصراع؛ زادت سيطرة "المتطرفين" على الأطراف المعتدلة. وأثبتت الأحداث الأخيرة في حلب، المدينة الثانية في
سوريا والمقسمة بين مناطق غربية تخضع لسيطرة لقوات نظام والأحياء التي يسيطر عليها الثوار السوريين، صحة هذه القاعدة.
وذكرت الصحيفة أنه منذ فترة طويلة؛ تم تهميش الثوار "المعتدلين" في ساحة القتال. واعتبرت أن النجاح الذي حققته الفصائل في الأسبوع الماضي، عبر وكسر الحصار عن العاصمة الاقتصادية في الشمال، يُعتبر انتصارا لتنظيم القاعدة في سوريا. وتسلط هذه الحرب "الداخلية" الضوء على دور العناصر المتطرفة في الصراع السوري.
وتقول الصحيفة إنه رغم تغيير اسمها، احتفظت جبهة النصرة، التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن قائمة المنظمات
الإرهابية في سوريا، بنفس الأهداف المتمثلة في إقامة إمارة إسلامية، وتوحيد الجهاد وفرض الشريعة، وفق قولها.
ففي آذار/ مارس 2015 وبعد انتزاع مدينة إدلب، التي تقع في شمال غرب سوريا، من قوات النظام، فرض مقاتلو جبهة النصرة قواعد مقيدة، للغاية على حريات السكان. كما قاموا بمضاعفة الانتهاكات وإسكات الأصوات المعارضة لسياساتهم.
وأضافت الصحيفة أن سكان المناطق الغربية من حلب، وخاصة المسيحيين منهم، والذين يخشون من وصول مقاتلي هذه المنظمة إلى المدينة، يعتبرون جبهة فتح الشام أكثر الفصائل تطرفا في سوريا. ومن المؤكد أن ليس كل الجماعات التي تقاتل ضد قوات بشار الأسد في حلب لها أي صلة بتنظيم القاعدة. ولكن إصرار وتصميم فتح الشام على القتال سمح للمعارضين انتصارات ضد النظام، وهو ما فرض على فصائل المعارضة "واجب الولاء" والتعاطف مع هذا التنظيم، وفق الصحيفة الفرنسية.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كان الغرب، الذي يدعم مجموعات تقاتل النظام السوري في حلب، قد صار حليفا لتنظيم القاعدة دون وعي منه.
وعلاوة على ذلك، من المفترض ألا تستهدف الضربات الجوية التي قادتها أمريكا وحلفاؤها مدينة حلب، ذلك أن دورها يقتصر على محاربة تنظيم الدولة. لكن الولايات المتحدة قامت بتسليح بعض المجموعات. وقالت الصحيفة إن بعض المعارضين لنظام الأسد الذين قامت الولايات المتحدة بتدريبهم، سلموا، العام الماضي، أسلحتهم ومعداتهم العسكرية إلى جبهة النصرة.
وبينت الصحيفة أنه على ميدان القتال، لا يمكن التمييز بين الفصائل المتناحرة على الأراضي السورية. ويحذر الخبير في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليسترال بأن "جبهة النصرة أصبحت أكثر خطورة من ذي قبل". ففي حلب، تسعى هذه المنظمة إلى "نصب فخ للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين"، كما يقول.
وأشارت الصحيفة إلى أن معهد دراسة الحرب الأمريكي اعتبر أن جبهة النصرة تمثل أبرز الأخطار التي تهدد الأمن القومي للمواطنين الأمريكيين والأوروبيين، وأنه تهديد يمس وجودهم بدرجة أولى، ما يبرر حقيقة "أن هزيمته وتدميره تمثل أولوية" للاستراتيجيات الغربية، وفقا لما أورده موقع المعهد. ولكن، وبالنظر إلى ما يحدث حاليا في حلب، يبدو هذا الهدف بعيدا جدا.
ورأت الصحيفة أن معركة حلب القادمة ستكون طويلة الأمد. وقد تزود طرفا القتال بتعزيزات وإمدادات كبيرة، ذلك أنهما يعتبران أن السيطرة على هذه المدينة الشمالية، قلب الدولة السورية ومحور الصراع، سيحدد الطرف المنتصر في المعركة.
فالسيطرة على حلب بالنسبة للنظام؛ ستسمح بأن يكون في موقف قوي أثناء مفاوضات جنيف حين استئنافها، كما أنه بالنسبة للثوار سيعني مضاعفة حظوظهم لإسقاط النظام.
وفي الوقت الذي تتعثر فيه عملية السلام، ستحدد معركة حلب نتيجة الصراع السوري. ولكن، حتى قبل أن تبدأ هذه المعركة، فإنها شكلت تحديا للمجتمع الدولي. وكما ذكر معهد دراسات الحرب الأمريكي، فإن حلب "آخر المناطق التي تضم شركاء محتملين للولايات المتحدة في سوريا، فيما لم تنجح واشنطن في توفير الدعم السياسي والعسكري لمنع حصار هذه المدينة"، لذلك تقدمت جبهة فتح الشام للقيام بهذه المهمة.
وذكرت الصحيفة أن إغلاق قوات النظام للممر الذي اخترقه "عناصر منتمية سابقا لتنظيم القاعدة" لا يغير أي معطى. فالوضع في سوريا يشبه "الاختيار بين الطاعون والكوليرا" ؛ تلخيصا لما يحدث في هذا البلد منذ اندلاع ورات الربيع العربي.