نشر موقع " ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب لارس هوتش، يقول فيه إن مشروع إقامة دولة كردية يبدو واعدا، لكنه يرى أن الاستقلال الحقيقي للأكراد يبدو حلما بعيد المنال.
ويقول الكاتب إنه بعد مناقشة طويلة للدستور المقترح لنظامهم الفيدرالي في شمال
سوريا، أعلن
الأكراد السوريون وحلفاؤهم في أواخر حزيران/ يونيو، بلدة القامشلي في شمال سوريا عاصمة لهم.
ويجد التقرير أنه "مع أن معنى الفيدرالية يختلف، من ناحية اللفظ على الأقل، عن الدولة، وكون الدستور يحتوي على مفهوم العلم والعلاقات الدبلوماسية مع بلدان خارجية، والخدمة العسكرية الإجبارية، فإنه يجب ألا يترك مجالا للشك حول مدى الاستقلالية المتصورة للنظام".
ويستدرك الموقع بأنه بالرغم من الحكم الذاتي الفعلي الذي حققه الأكراد في شمال سوريا في السنوات الأخيرة، إلا أن الاستقلال الحقيقي يبقى حلما مثاليا، مشيرا إلى أن هذا الكلام صحيح ليس فقط بالنسبة لما يسميه الأكراد "روجوفا"، التي تعني كردستان الغربية، وهي المناطق التي يقطنها الأكراد في شمال سوريا، لكنه ينطبق على كردستان
العراق، والمناطق الكردية في
تركيا وإيران.
ويجمل هوتش في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، ثلاثة أسباب تقف عائقا أمام إنشاء دولة كردية، ويوردها على النحو الآتي:
1- الصراعات الفكرية
ويشير التقرير إلى أن المنظمات الكردية السائدة تنتمي إلى كل من الفكر الماركسي والقومي والإسلامي، لافتا إلى أن النموذج الثوري لحزب العمال الكردستاني يهمل القومية، ويسعى وراء فكرة إنشاء كونفدرالية ديمقراطية لمصالحة الأكراد كلهم في "مجموعة المجتمعات في كردستان"، وهي منظمة أنشأها
حزب العمال الكردستاني في أوائل الألفية الثانية، وتقوم على الفكر الشيوعي.
ويذكر الموقع أنه في المقابل يسعى القوميون الأكراد، الذين يشكلون القوة الأكبر في شمال العراق، إلى بناء الأمة، حيث إن حكومة كردستان الإقليمية، التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حاولت توسيع استقلاليتها عن بغداد، مع أن الأزمة الاقتصادية الحديثة، التي نشأت بسبب تراجع مدخولات النفط، تحد من هذه الجهود.
ويبين الكاتب أن هناك أيضا حركة إسلامية كردية، وإن لم تكن تملك نفوذ حزب العمال الكردستاني ذاته، أو الحزب الديمقراطي الكردستاني وأذرعه المختلفة، إلا أنها دائما تحصل على مقاعد في البرلمان الكردستاني، مشيرا إلى أن الصدام الفكري بين مختلف المجموعات الكردية ينعكس على شكل خلافات سياسية، تسببت إلى الآن بإعاقة الوحدة المطلوبة.
2- العقبات السياسية
ويلفت التقرير إلى أن سياسة الأكراد تتأثر بشكل كبير بالبلد الذي يعيشون فيه، ولذلك تطورت السياسات الكردية إلى حالة من الصراع، ليس فقط بين الأكراد أنفسهم، لكن فيما يتعلق بصراعات النفوذ الإقليمية أيضا.
ويفيد الموقع بأن الحرب الكردية الأهلية بين عامي 1994و1997، بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، تشكل مثالا جيدا على ذلك، حيث تحالف الحزب الوطني الكردستاني مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتحالف الاتحاد الوطني الكردستاني مع إيران، لافتا إلى أن ما عقد الأمور أكثر أن تركيا رأت في تلك الحرب فرصة لسحق الاتحاد الوطني الكردستاني؛ لأنه يقف إلى جانب حزب العمال الكردستاني، وشارك في الحرب إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويرى هوتش أن التأثير السياسي في مناطق الأكراد يرتبط مباشرة بالسيطرة على المجموعات المسلحة، مشيرا إلى أنه يمكن رؤية التحديات الجديدة في شمال سوريا، حيث يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي، التابع لحزب العمال الكردستاني، ويقوم الحزب، بناء على قوة ذراعه المسلح المسمى وحدات حماية الشعب، بقمع معارضيه.
ويذهب التقرير إلى أنه رغم أن كثيرا من البلدان طورت علاقات عمل مع الأحزاب الكردية، فمثلا أنشأ حزب الاتحاد الديمقراطي مكتب تمثيل له في موسكو، فإنه لا يبدو أن هناك من يدعم فكرة الحكم الذاتي الكردي أو الاستقلال على هيئة دولة.
3- صراعات النفوذ الإقليمية
وينوه الموقع إلى أن الأكراد يجدون أنفسهم مرة أخرى محاصرين بين الجبهات في الحروب الدائرة في سوريا والعراق، مشيرا إلى أن الدعم الأمريكي منذ أواخر عام 2014، تحول من دعم القوى السنية المعارضة في سوريا إلى دعم الأكراد، وبالذات لحزب الاتحاد الديمقراطي، واستطاع حزب الاتحاد الديمقراطي، وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، بسبب المساعدات السياسية والعسكرية، زيادة نفوذهما، بالإضافة إلى اكتساب سمعة عالمية بأنه يمكن الاعتماد عليهما بصفتهما شركاء في الحرب ضد تنظيم الدولة.
ويورد الكاتب أنه بإنشاء ما يسمى القوات الديمقراطية السورية، وهو تحالف مكون من مجموعات ثوار كردية وعربية سورية، تدعمها أمريكا بالغارات الجوية، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه وحدات حماية الشعب، يحاول نزع "الطابع الكردي"، وطرح نفسه بصفته حركة متعددة الإثنيات.
ويستدرك التقرير بأن "الحكومة التركية، القلقة جدا من النفوذ الكردي، ستحاول إحباط أي تحرك نحو استقلال الأكراد، فبالنسبة لتركيا فإنه لا يمكن الفصل بين مشروع كردستان الغربية في شمال سوريا عن الحرب التي يشنها حزب العمال الكردستاني في تركيا، وليس ذلك فقط لأن حزب الاتحاد الديمقراطي منبثق عن حزب العمال الكردستاني، بل لأن هناك تسربا للمقاتلين بين المجموعات، ولأن حزب العمال الكردستاني يستطيع الاعتماد على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، كونها ملاذات آمنة لمقاتليه".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه "في الوقت ذاته، فإن العراق لن يتفتت قريبا، ولذلك ستبقى كردستان العراق تتمتع بحكم ذاتي محدود، مع استمرار اعتمادها في الحصول على ميزانيتها من بغداد".