يعيش
الجزائريون على وقع إشكال أمني جديد، صار يؤرق المجتمع كلما حل موعد الاحتفال باستقلال البلاد، حيث يوقع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مرسوما للعفو عن فئات معينة من المساجين، لكن فرحة الإفراج التي تغمر هؤلاء وعائلاتهم، سرعان ما تتحول إلى مآتم حقيقية بالنسبة لعائلات أخرى، يروح أحد أفرادها ضحية جريمة جديدة من طرف المستفيد من عفو الرئيس.
الظاهرة تتكرر كلما وقع الرئيس بوتفليقة مرسوما يقضي بالعفو عن فئات معينة من المساجين، وعادة يفعل الرئيس الجزائري ذلك، في الخامس من يوليو/تموز من كل عام، بمناسبة عيد استقلال البلاد عن فرنسا العام 1962.
وإذا كان عفو الرئيس الجزائري عن المساجين الذين ينجحون بنيل شهادة البكالوريا أصبح تقليدا سنويا يؤتي ثماره حيث يلتحق المستفيدون من العفو بمقاعد الجامعة، فإن الأمر يناقض تماما عددا مهما من الشبان الذين يستفيدون من العفو ثم يعودون لنشاطهم الإجرامي.
وصار الجزائريون يعرفون جيدا هؤلاء المسبوقين قضائيا، حيث يتحاشونهم بالأسواق والساحات العمومية، وبالشوارع، لشعورهم بانعدام الأمان بأي مكان يقصده هؤلاء.
فبمحافظة المدية، جنوب الجزائر، لم تمر 48 ساعة عن استفادة أحد الشبان من
العفو الرئاسي الذي أقره رئيس البلاد، يوم 5 يوليو/تموز الجاري، حتى ارتكب هذا الشاب جريمة قتل شنيعة بحق شاب آخر يبلغ من العمر 35 سنة، لخلاف بين الطرفين، نشب قبل دخول الشاب الأول السجن.
وبحسب سكان القرية التي يقطن بها كل من الجاني والضحية، فإن مثل هذه الجريمة "كانت متوقعة"، بالنظر لكون الجاني "خريج
سجون" وكلما أفرج عنه ارتكب جريمة أخرى.
ويقول مصدر مسؤول بإدارة السجون الجزائرية في تصريح لـ"
عربي21"، الأربعاء، إنه "ليس كل من هب ودب يستفيد من العفو الذي يقره الرئيس بوتفليقة سنويا، فالقتلة وتجار المخدرات وناهبو المال العام غير مشمولين بالعفو".
وصارت هذه الظاهرة تؤرق المجتمع الجزائري بشكل لافت مع ارتفاع معدلات الجريمة بالبلاد، بسبب البطالة وسط الشباب الجزائري، ونقص ملاذات الترفيه للشباب والمشاريع الممتصة لليد العاملة.
لكن الإعلامي الجزائري، منصر بودر، الذي يتابع شؤون المحاكم، لا يرى أن البطالة سبب كاف يدفع بهؤلاء الشبان لارتكاب الجرائم، ويقول لـ"
عربي21"، الأربعاء: "مخطئ من يعتبر أن نسبة البطالة مرتفعة بالجزائر، فورشات البناء مثلا ومختلف المهن التي تتطلب عملا يدويا شاقا بعض الشيء، لا تجد من يعمل بها، ولذلك، ترى الشركات الأجنبية العاملة بالجزائر تستقدم معها اليد العاملة".
ويرى "بودر" أن "سلطة اللاعقاب أصبحت مكرسة بالبلاد، بمقابل تضاعف الشعور بالخوف وسط الجزائريين من هؤلاء المسبوقين قضائيا"، كما يعتقد أن "مشاريع إدماج المسبوقين قضائيا، بعد خروجهم من السجن تبقى ضعيفة".
من جهة أخرى، يرى المحامي محمد حوري، أن "الانفتاح على العولمة ساهم بإذكاء الإجرام بالجزائر، علاوة على أن المنظمات غير الحكومية كبحت تطبيق الأساليب الردعية ضد المجرمين".
وهناك من يرى أن عدم تطبيق عقوبة الإعدام بالجزائر زاد من حدة الإجرام، حيث إن العقوبة مجمد تطبيقها منذ العام 1993، رغم أن المحاكم الجزائرية تصدرها يوميا، خاصة ما تعلق بأفعال القتل والإرهاب.
بينما يرى الحقوقي بوجمعة غشير، في تصريح لـ"
عربي21"، الأربعاء، أن عوامل عدة زادت من حدة الإجرام بالجزائر، أهمها "عدم تأطير الأحياء بشكل جيد، حيث يستقدم مرحلين من مختلف المناطق إلى حي واحد، ومع اختلاف العادات والتقاليد تنشب الصراعات ومن ثمة تقع الجرائم".
وقال غشير: "يجب إعادة النظر بجد في مدى جدية النظام
العقابي بالجزائر، بحيث أصبح من يخرج من السجن أشد إجراما من غيره".