"الخارجون عن القانون".. هكذا وصفت السلطات الأردنية المحتجين المتعطلين عن العمل، بعد فض اعتصامهم وخيمتهم التي نصبوها في مدينة
ذيبان (جنوبي العاصمة)، وهي إحدى المناطق المهمشة التي تعاني من فقر مدقع، ومعدلات بطالة مرتفعة جدا تصل إلى 40 بالمئة، بحسب مختصين في المدينة.
وأعادت الاحتجاجات التي قادها المتعطلون عن العمل في ذيبان، أجواء الحراك الأردني إلى الشارع، وهتف المحتجون بعبارات طالت النظام، ووجدت هذه الأحداث المندلعة منذ أربعة أيام صدى في أحياء ومناطق بالعاصمة عمان وبعض المحافظات، إذ نفذ ناشطون وقفات تضامنية في مدن أردنية، كان آخرها الاعتصام الذي أقيم الخميس الماضي أمام الديوان الملكي في عمان، ورفع المشاركون فيه شعارات تنتقد الوضع الاقتصادي، وتطالب بمحاربة الفاسدين.
وطرحت الأيام التي عاشتها مدينة ذيبان على وقع قنابل الغاز، وإغلاق الطرق، والمناوشات مع جهاز
الدرك الأردني التي خلفت إصابات بين الطرفين، استفسارات حول سبب لجوء السلطات الأردنية للعنف، بدلا من إيجاد حلول لمشكلة المتعطلين، والحوار معهم؟
إقرأ ايضا: إصابات بين الدرك الأردني ومحتجين على البطالة في ذيبان
العقلية الأمنية
وقال الكاتب والمحلل عمر كلاب لـ"
عربي21"، إن "المشكلة ليست في خيمة المتعطلين، وإنما في العقل الرسمي الذي يتعامل مع الخيمة كظاهرة يخشى أن يستنسخها العاطلون عن العمل في باقي المحافظات"، مضيفا أن "العقل الرجعي هو الذي يستثمر في إحباط الناس، ويجعلهم أمام خيار الأمن أو الانفلات، بينما لا أحد يتحدث عن الخيار الديمقراطي، وحق الناس في التعبير".
وحول سبب استهداف الحكومة للخيمة بعد 58 يوميا من إنشائها؛ قال الناشط العمالي محمد السنيد -أحد مساندي الخيمة- إن توقيت فض الخيمة "ربما يأتي لصرف انتباه الرأي العام الأردني عن الفشل الأمني في منع الحوادث الإرهابية التي تعرضت لها المملكة مؤخرا".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "الخيمة أصبحت مصدر قلق وتخوف لدى السطات الأردنية من أن تكون نواة لحراك شعبي جديد، وخصوصا أن ذيبان انطلقت منها شرارة الحراك الأردني عام 2011، بالإضافة إلى عقلية وزير الداخلية سلامة حماد، التي تعتمد على الحلول الأمنية، وتبعث رسالة مفادها قمع الحريات أو أي احتجاجات سلمية".
وأوضح السنيد أن "الأجواء التي تعيشها المملكة حاليا؛ هي نفس الأجواء التي انطلق الحراك من أجلها، ومن أبرزها الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه المواطن الأردني، واستشراء الفساد والمحسوبية في التعيينات وغياب العدالة والتنمية".
إقرأ ايضا: كيف أوصل النظام الأردني الحراك إلى غرفة الإنعاش؟
من جهته؛ قال الناشط في حقوق الإنسان وعضو حراك مدينة معان، أكرم كريشان، إن "شخص وزير الداخلية الأردني سلامة حماد وتر الأوضاع في ذيبان"، مستشهدا بتعامل الوزير خلال الحكومة الماضية مع الأحداث في مدينة معان بشكل أمني، وفض عدد من الاعتصامات السلمية.
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هذه الإجراءات القمعية التي يمارسها حماد؛ تتنافى مع مواثيق حقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، والدستور الأردني".
بدوره؛ تعهد رئيس الحكومة الأردنية هاني الملقي، خلال لقائه عددا من أبناء مدينة ذيبان، بـ"إيجاد حلول فورية للأزمة المتعلقة بمشكلة المتعطلين عن العمل، وسحب المظاهر الأمنية كافة". ولم يستمر الملقي في تنفيذ وعده بسحب قوات الدرك سوى لساعات مساء الخميس، لتعود المظاهر الأمنية للمدينة مساء الجمعة، وتعود معها
الاشتباكات بين أهالي ذيبان وقوات الدرك.
لا عدالة في توزيع التنمية
ويشعر الأردنيون في المحافظات، وخصوصا الجنوبية منها، بالتهميش، وانعدام العدالة في توزيع التنمية التي تتمركز في العاصمة عمان، رغم وعود تلقوها من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بإنشاء مشاريع تنموية في المحافظات، كان آخرها إنشاء صندوق لتنمية المحافظات، الذي أعلن عنه الملك في 2011 خلال زيارته إلى محافظة البلقاء، بقيمة 150 مليون دينار.
ويعتقد رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة في الأردن، سليمان الجمعاني أن السلطات الأردنية "غير جادة في تنمية المحافظات"، مؤكدا في حديثه لـ"
عربي21" غياب أي خطط أو استراتيجيات أو رؤى عملية لتنمية المحافظات، "إذ تتركز التنمية في عمان فقط".
ويرجح ناشطون في حراك ذيبان الشعبي، أن تمتد رقعة الاحتجاجات الشعبية لمحافظات أخرى تعاني من التهميش، في ظل استمرار السلطات الأردنية باستخدام العقلية الأمنية، وقمع الاحتجاجات السلمية، وسيرها على نهج صندوق النقد الدولي في سد الديون المتراكمة على المملكة -والتي بلغت 32 مليار دينار- من جيوب الأردنيين.