تتزايد أعداد
اللاجئين السوريين الواصلين إلى العاصمة الفرنسية باريس، ومنها إلى باقي المدن الفرنسية، سواء عبر فيزا خاصة باللجوء أم عن طريق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أم ممن لم يحالفهم الحظ واضطروا للقدوم بطرق غير شرعية هربا من الموت أو الاعتقال داخل
سوريا.
وفي ظل هذا التدفق؛ فقد بدأت الأخطاء التنظيمية للحكومة الفرنسية تطفو على السطح، وخاصة من ناحية الاستعدادات لاستقبال اللاجئين، وتأمينهم بالسكن، بالتوازي مع الخلل الواضح وعدم التنسيق بين وزارتي الداخلية والخارجية الفرنسيتين، بحسب مراقبين.
روايات الواصلين لفرنسا
وقالت اللاجئة دينا الأحمد، القادمة إلى
فرنسا عبر فيزا لجوء (d)، إنه "بعد أشهر من انتظار فيزا اللجوء في تركيا؛ وصلتُ إلى باريس قبل نحو ستة أشهر، لأتفاجأ بحجم الإجراءات الواجب عليّ فعلها للحصول على حق اللجوء السياسي أو الحماية.. فلا بد من البدء بتقديم أوراق جديدة، ومقابلة لجوء أخرى غير مقابلة السفارة، بالإضافة إلى سلسلة من الأمور الروتينية التي تستغرق أشهرا عدة".
وأشارت الأحمد في حديثها لـ"
عربي21" إلى أن "شهور الانتظار هذه غير مؤمّنة بسكن حكومي"، ما اضطرها إلى اللجوء لما يسمى "
سكن المشردين"، الخاص بأي شخص متشرد في فرنسا، والبدء برحلة البحث عن سكن مؤقت، ودورات لغة فرنسية تقدمها بعض الجمعيات مجانا.
من جهته؛ روى اللاجئ السوري أنيس حمدان تعقيدات لجوئه بالقول: "وصلت إلى فرنسا قبل عام ونصف عن طريق التهريب من تركيا، وبدأت
معاناة اللجوء الطويلة؛ من النوم في محطات المترو، والبحث عن عناوين وجمعيات للسكن، واستكمال أوراق اللجوء المستحيل بدون تحدث اللغة الفرنسية للتواصل مع الموظفين، لينتهي بي المطاف في سكن مشترك مع عائلة فرنسية؛ تم تأمينه عبر جمعية مدنية".
وأضاف لـ"
عربي21": "إلى الآن، ورغم حصولي على موافقة اللجوء السياسي؛ فإنني ما زلت بلا سكن مستقل".
وضمن المعلومات الخاصة بمكتب حماية اللاجئين وعديمي الجنسية في فرنسا (OFPRA)؛ فإنه يجب على طالب اللجوء مقابلة المكتب، وبعدها انتظار قرار المحكمة، إما بالموافقة على اللجوء السياسي ومنحه إقامة لمدة 10 سنوات، أو الحماية لمدة سنة واحدة، أو رفض طلب اللجوء بعد إبلاغه بالأسباب.
وتختلف حالة اللاجئ السوري القادم إلى فرنسا عبر السفارات، أو الطرق غير الشرعية؛ عن اللاجئ القادم عن طريق مفوضية الأمم المتحدة، حيث إن الأخير يتمتع بمزايا مختلفة، أهمها السكن المباشر، واللجوء السياسي الفوري، ودورات اللغة، والاندماج، وفقا لما أكده اللاجئ السوري فادي السيد، الذي نقلته المفوضية مع عائلته من المملكة الأردنية إلى ضواحي مدينة بوردو الفرنسية.
غير أن هذه الحالات القادمة عبر المفوضية؛ لا تتعدى المئات، ونسبتها متدنية جدا، مقارنة بعدد السوريين اللاجئين في فرنسا حاليا، والمقدر بحسب آخر الإحصائيات غير الحكومية بـ50 ألف سوري.
الجمعيات المدنية والحل البديل
وفي قانون فرنسا الخاص باللاجئين إلى أراضيها، والذي تم تعديله نهاية عام 2015م؛ يتكفل مكتب الهجرة والاندماج الفرنسي (ofii) بمساعدة طالبي اللجوء بالنواحي المادية والسكنية، حتى صدور قرار اللجوء ونقل ملفاتهم إلى التكافل الاجتماعي، إلا أن لاجئين سوريين وجمعيات مدنية؛ يصفون هذا القانون بأنه "حبر على ورق، ولا يتم تطبيقه على أرض الواقع".
وفي هذا الصدد؛ قالت مسؤولة مكتب اللاجئين في جمعية "روفيفر" الفرنسية، صابرين الرزاق، إن الجمعيات تقوم بدور مميز في التغطية على عدم انتظام المؤسسات الحكومية، مشيرة إلى أن "جمعية روفيفر تتكفل بمساعدة وتوجيه اللاجئين السوريين في الحصول على السكن، ودورات اللغة المجانية، والتأمين الصحي، ولم الشمل، وخدمات العمل ومحاكم الاستئناف".
وأضافت صابرين لـ"
عربي21" أن "الشيء الأصعب في فرنسا، وفي باريس تحديدا، هو إيجاد المساكن المجانية للأسر، وهذا ما نحاول القيام به يوميا، بالإضافة إلى تأمين دعم مالي في حالات الطوارئ، فضلا عن تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية لدمج السوريين بالمجتمع الفرنسي".
بدورها؛ قالت مسؤولة مكتب السكن في جمعية روفيفر، مارين دياس، إن الحكومة الفرنسية "غير واقعية في تعاملها مع مسألة اللاجئين، ولم تستفد من تجارب الإدارة الألمانية"، مشيرة إلى "عدم وجود مكتب مركزي لاستقبال السوريين من أجل تنظيم إقامتهم في فرنسا، بالإضافة إلى عجز مكتب الهجرة عن إيجاد حلول، والحد من ظاهرة البقاء بلا مأوى".
وعن الصعوبات التي تواجه الجمعيات المدنية المختصة باللاجئين السوريين؛ أوضحت دياس لـ"
عربي21" أن "أكثر ما يرهقنا؛ هو كيفية التعامل مع المكاتب الحكومية لإيجاد حلول سريعة لمسألة اللاجئين، والتعامل معهم كقضية سياسية، وليس كقضية هجرة، بالإضافة إلى الوقت الطويل لانتهاء اللاجئ من أوراقه وقدرته على الاستقلالية بعض الشيء".
وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الجمعيات المدنية المختصة بمسألة اللجوء إلى فرنسا، ولكن في ما يتعلق باللاجئين السوريين تحديدا؛ فهي لا تتجاوز الثلاث جمعيات في المدن الفرنسية جميعها.