قال أربعة منشقين عن
تنظيم الدولة، لصحيفة "
التايمز" البريطانية، إن مسلحي التنظيم يتزاحمون لمغادرة "أرض الخلافة" المتداعية، بعد الهزائم الكبيرة التي تلقاها مؤخرا في
سوريا والعراق.
ونقلت الصحيفة، في تقرير لها، أعدته مراسلتها في مدينة غازي عينتاب التركية، الأحد، وترجمته "
عربي21"، عن المنشقين الأربعة، المنحدرين من عشيرة واحدة، وصفهم لكيفية "تصاعد الهلع والقسوة والعنف المريض" خلال الأسبوع الماضي.
وهرب الشباب الأربعة، واثنان منهم شقيقان، قبل ستة أسابيع ويعيشون الآن بصمت مع عائلاتهم، خشية القبض عليهم وقتلهم من جواسيس تنظيم الدولة، وسط أعداد متزايدة من المنشقين الذين يغادرونه، بعد تعرض معاقله في سوريا والعراق لهجمات متزايدة.
وقال أبو عمر (25 عاما) إن "الحياة كانت مأساوية في أرض الخلافة"، مضيفا أن "الناس ليسوا سعداء، وكثيرون منهم يريدون المغادرة، فهم يسرقون من الناس ويقتلون مقاتليهم، وأحيانا دون سبب".
وإلى جانبه، كان شقيقه الذي كان يدخن دخانا رخيصا مهربا، في تهمة تعتبر كبيرة في مناطق التنظيم، في حين أضاف محمود، ابن عمهما أنه "عند وصولهم كانوا عادلين ومنصفين، وهم ليسوا كذلك الآن، كما أن الحياة أصبحت أسوأ بعكس ما توقعنا".
وأشارت "التايمز" إلى أن تنظيم الدولة يواجه ضغوطا من قوات النظامين السوري والعراقي، بالإضافة لتلقيه هجمات من "قوات سوريا الديمقراطية"، المليشيا المدعومة أمريكيا، والتي كانت تحاصر منبج، معقل التنظيم في ريف حلب الشمالي.
ويقدر مسؤولو الأمم المتحدة أعداد مسلحي التنظيم بـ25 ألف مسلح في سوريا والعراق، أي أقل بعشرة آلاف من العام الماضي، بعد هزيمة التنظيم في كوباني، وسيطرة القوات الكردية عليها.
وأضاف أبو عمر: "بعد معركة كوباني، اكتشف المقاتلون أنهم كانوا يخسرون، وبدأ كل المقاتلين الكبار بالمغادرة لشعورهم باليأس"، مشيرا إلى أن التنظيم بدأ بتجنيد الأطفال السوريين والعراقيين حينها، لأنه "من الأسهل إقناعهم بتفجير أنفسهم".
وأصبح العنف شديد الانتشار في مناطق التنظيم، حيث بدأ المسلحون بإرهاب السكان والمقاتلين الذين يعيشون في مناطق سيطرتهم، إذ قال أبو عمر: "رأينا امرأة رجمت حتى الموت لمحاولتها الهرب، على يد امرأة أجنبية أخرى".
ونقل أبو عمر عن شق ضابط في الجيش السوري، عبر ربطه بسيارتين بالحبال.
قصة الهروب
واستعان المقاتلون الأربعة، الذين كانوا يقاتلون مع الجيش السوري الحر، قبل انضمامهم لتنظيم الدولة، بمساعدة قادتهم السابقين لتهريب عائلاتهم إلى مناطق سيطرة الثوار، حيث ادعوا أمام حراس التنظيم أن النساء المغطيات بالنقاب الذي يغطي كل شيء سوى عيونهن، كن أمهاتهم وزوجاتهم اللواتي غادرن بعد زيارة.
وبعد ذلك بثلاثة أشهر، هرب الرجال تحت جنح الظلام بتهريبهم عبر الحدود، بمساعدة الجيش السوري الحر.
أصعب على الأجانب
وقال المنشقون لـ"التايمز" إن الهروب أشد صعوبة على المقاتلين الأوروبيين، فالعديد منهم لا يستطيع التحدث بالعربية، كما أن جوازاتهم صادرها تنظيم الدولة، ما يجعلهم يواجهون الاعتقال إن عادوا لبلدانهم.
وتنتهي مثل هذه المحاولات عادة بكوارث، حيث استذكر خالد، أحد الشباب الأربعة، قصة هرب "محمد الأمريكي" وزوجته وابنيه (5 و9 أعوام)، عندما انفجروا بالألغام الأرضية المزروعة على طول الحدود التركية.
وتعتبر فرصة الهروب الوحيدة هي عبر المهربين إلى تركيا، ومنها يمكنهم الإكمال.
أبو شجاع
وقال أبو شجاع، المحامي من الرقة، إنه ساعد بهروب مئة منشق من أوروبا - ثلاثون منهم من فرنسا وعشرةٌ بريطانيون - خلال الـ18 شهرا الماضية.
وأضاف أبو شجاع لـ"التايمز" من مدينة شانلي أورفا على الحدود التركية الموازية للرقة السورية، أن "عدد الأشخاص الذين يريدون المغادرة ازداد بشكل كبير، فالناس ينخدعون بالدعاية على الإنترنت، وعندما يصلون يكون الأمر مختلفا، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء تجاه ذلك".
وتقوم شبكته من الجواسيس، الذين يتحدث العديد منهم الإنجليزية والفرنسية، بمسح السجون ومقاهي الإنترنت في مدينتي الرقة والباب السوريتين، والفلوجة في
العراق، بحثا عن أي راغب بالانشقاق.
وتتقاضى الشبكة من الراغبين بالانشقاق عشرات آلاف الدولارات، حيث يعتمد السعر على مدى قدرة الشخص على الاندماج بالجالية المحلية، فالأوروبيون السود يكلفون أكثر، في حين يكلف أولئك الشبيهون بسكان الشرق الأوسط أقل.
وقال أبو شجاع إن "معظم الأشخاص المغادرين فرنسيون، فعندما يأتون إلى القنصلية، يحصلون على جوازات جديدة ويتمكنون من العودة، بعد بقائهم بضعة أيام للتحقيق قبل إطلاق سراحهم"، مشيرا إلى أن "هناك الكثير من البريطانيين الراغبين بالمغادرة، لكن حكومتهم لا تساعدهم".
وقال دبلوماسي غربي إن هناك ما يقارب الـ50 منشقا عن تنظيم الدولة قدموا إلى سفارة أوروبية في إسطنبول هذا العام، مدعين أنهم فقدوا جوازاتهم، ليصبح العدد خلال العام الماضي 80، مشيرا إلى أن "العدد سيزداد بعد هجوم الرقة".
أما بالنسبة للشباب الأربعة، فتبدو الحياة "قاتمة"، حيث قال أحدهم: "لا أعلم إلى أين سنذهب، فنحن نريد الابتعاد لكن أوروبا غالية جدا"، وأضاف: "نعلم أن هناك أشخاصا يريدون قتلنا"، مختتما بقوله: "إننا نشعر بالضياع".