نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للكاتب كايل حداد فوندا، تحدث عن الخطة الجديدة التي تقوم بها
الصين لجذب العالم الإسلامي، وهي إنشاء حديقة ألعاب "ثيم بارك" للمسلمين.
ويقول الكاتب إن "الخطوط الجوية الإماراتية بدأت في أيار/ مايو خدمات مباشرة لمدينة ينشوان الصينية، التي انضمت إلى بيجين وشنغهاي وغوانزهو، بصفتها مناطق تصل إليها الخطوط الإماراتية، وأصبح الآن من السهل على المسافر ركوب الطائرة من دبي والسفر مباشرة إلى أهم التجمعات الحضارية الثلاثة الأولى في الصين، بالإضافة إلى ينشوان، التي تعد في المرتبة الـ71 من ناحية الكثافة السكانية، حيث تقع هذه المدينة على سهول النهر الأصفر في مقاطعة نينجزيا، وتبعد 600 ميلا غربا عن العاصمة بيجين، وهي بعيدة عن المناطق الساحلية الصينية التي يحج إليها الزوار، لكن بُعدها لم يمنع المسؤولين الصينيين من التفكير بخطط لتحويلها إلى مقصد سياحي للسياح العرب الأثرياء".
ويضيف فوندا أن "المدينة تشهد عملية بناء جديدة وتجميل، حيث تم طلاء لوحات الشوارع كلها بأسماء عربية إلى جانب الصينية والإنجليزية، وليس بعيدا عن ساحة الشعب في وسط المدينة يقع مركز معارض يستضيف معرض الصادرات الصينية مع الدول العربية، وهي مناسبة تعقد مرتين في العام، التي يتم فيها استضافة رجال الأعمال وسيدات الأعمال من الشرق الأوسط والصين معا".
ويتابع الكاتب بأنه "ليس بعيدا عن وسط المدينة، تقوم السلطات الصينية ببناء مشروع يكلف 3.5 مليار دولار، وهو (مدينة العالم الإسلامي)، الذي يتوقع الانتهاء منه في عام 2020، ويجري العمل على توسيع مطار ينشوان هيدونغ الدولي، بحيث تصبح سعته 900 ألف ميل مربع، وذلك لاستقبال الطائرات التي ستأتي في المستقبل من عمان وكوالالمبور، وفي مركز تحولات ينشوان حديقة ألعاب باذخة تحتفي بتاريخ المسلمين الصينيين وثقافتهم، خاصة الإثنية المعروفة باسم هوي".
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه بحسب مديرية السياحة في مقاطعة نينجزيا، فإن حديقة هوي الثقافية هي الجسر الثقافي الصيني العربي، الذي سيروج لملامح التعاون والتبادل الثقافي بين العالم العربي والصين، مشيرا إلى أن الحديقة تقام على قاعدة واسعة، حيث ستبنى فيها معالم تحاكي تاج محل في الهند والمسجد الأزرق في تركيا.
وتعلق المجلة بأن "حديقة الأعاب تحاول تقديم ثقافة جماعة دينية مهمشة ويساء فهمها أمام الرأي العام، من خلال تقديم تاريخها بطريقة درامية وحلقات الرقص الروتينية، التي يؤديها رجال ونساء
الأقلية، وتشجع الزوار على شراء الملابس التقليدية لأولادهم من المحلات الموجودة في الحديقة قد يتم التعامل معها في الولايات المتحدة بنوع من الشك، لكن حديقة (هوي) الثقافية تعد في التصنيف الصيني للمواقع السياحية من المواقع التي تحظى بمرتبة (5 ألفات)، وهي أعلى رتبة بحسب التصنيف الصيني لأهمية المواقع السياحية".
ويشير فوندا إلى أن مشروع "مدينة العالم الإسلامي" هو جزء من مشروع طموح تقوم به الحكومة لفتح غرب الصين للتطوير والسياحة "طور/ افتح الغرب"، مستدركا بأنه مع ذلك، فإن السياسة اتسمت بعدد من الخطوات الفاشلة، مثل المشروع الذي كلف مليار دولار في بلدة كانغباشي في منطقة أوردوس في منغوليا، الذي أملت السلطات بأن يوفر السكن لمليون شخص، لكن البناية فارغة.
ويلفت التقرير إلى أن الحملة الوطنية في ينشوان وتطويرها متميزة؛ بسبب الدور الذي يؤديه الدين في تحديد طبيعة المشروع، حيث تهدف الخطط في المدينة إلى جذب السياح العرب، وهي بالضرورة محاولة لتحديد وتصدير نسخة مقبولة عن الإسلام لبيجين، وتخدم الأهداف الدبلوماسية للصين في الخارج.
وتذكر المجلة أن مدينة ينشوان منذ عام 1958 عاصمة للإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، وتديره الإثنية "هوي"، وهو وضع منح المدينة أهمية ثقافية، فإثنية الهوي، التي يتحدث أفرادها لهجة الماندرين، مرتبطون لغويا وعرقيا بالغالبية التي تتسيد الصين وهي "هان"، ويبلغ عدد أفرادها 10.6 مليون نسمة "0.08%" من عدد السكان، ويمثلون غالبية "القوميات" العشر، التي ينحدر منها المسلمون في الصين، وهم أكبر عدد من أقلية الإيغور المسلمين الصينيين الذين يتحدثون اللغة التركية، ويعيشون في الإقليم المضطرب جينجيانغ في الغرب من البلاد، مشيرة إلى أنه عادة ما يحتل الإيغور عناوين الأخبار بسبب المؤامرات الإرهابية والقمع الحكومي والعنف الطائفي، وبالمقارنة معهم فإنه ينظر لاهوي على أنهم جزء مندمج في المجتمع الصيني.
ويبين الكاتب أنه في الأيام الأولى لجمهورية الشعب لم يكن يخشى المسؤولون الصينيون من ترتيب زيارات لضيوفهم الأجانب في مقاطعة جينجيانغ، حيث إنه عندما وصل وزير الأوقاف المصري أحمد حسن الباقوري عام 1955 إلى الصين، وكان أول مسؤول عربي يزور البلاد بشكل رسمي، رتبت وزارة الخارجية الصينية له لقضاء عيد الفطر في عاصمة الإقليم أورموقي، وفي القرن الحادي والعشرين حلت مقاطعة نينجيا محل جينيانغ، لتكون مقصدا يرغب المسؤولون الصينيون بأن يزورهم فيه ضيوفهم المسلمون، وذلك ضمن استراتيجية لحرف الأنظار عن الإيغور إلى الهوي.
ويجد التقرير بأن هذا التحول مهم في ظل العلاقات المتوترة بين الصين والعالم الإسلامي، حيث إنه في السنوات الخمس الأخيرة، تعرضت الحكومة الصينية لانتقادات بسبب قمعها للمسلمين في الصين، لافتا إلى أن أبا بكر البغدادي، الذي يزعم أنه قائد "الدولة الإسلامية"، قال في تموز/ يوليو 2014 إن الصين "هي البلد الذي جُرد فيه المسلمون من حقوقهم"، ويشير إلى أنه بعد شجب الحكومة التركية في تموز/ يوليو 2015 لسياسات الحكومة الصينية تجاه المسلمين الإيغور، قام محتجون بتخريب مطعم صيني في اسطنبول، واعتدوا على مجموعات سياحية صينية.
وتفيد المجلة بأنه في كانون الأول/ ديسمبر، قام مركز إعلامي مرتبط بتظيم الدولة بإصدار نشيد بلغة الماندرين موجه للإيغور والهوي، حيث دعاهم إلى "الاستيقاظ"، والتخلص من "مركز العبودية"، مشيرة إلى أن هذه التطورات عبرت عن مظاهر قلق المسلمين في الشرق الأوسط حول مصير إخوانهم، وأكدت حرص الحكومة الصينية على الترويج لمفهوم بديل عن الإسلام الصيني.
ويوضح فوندا أن البديل ينبع من مواد تشكل حديقة الهوي الثقافية في ينشوان، لافتا إلى أن السؤال هو ما إذا كانت الحكومة الصينية قادرة على تشكيل الخطاب العالمي حول الإسلام الصيني، وأن تحصل على اعتراف دولي نتيجة لهذا.
وينوه التقرير إلى أن الحديقة تقع على بعد 12 ميلا جنوب ينشوان، على الطريق السريع الرابط بين بيجين والتيبت، حيث تبدو القباب، التي تشبه حبة البصل، والتي تشكل حديقة هوي الثقافية، مشيرا إلى أنه تم تصميم البوابة الداخلية بطول 125 قدما على شكل حرف عربي، وصممت لتشبه تاج محل، وافتتحت الحديقة في عام 2005.
وتستدرك المجلة بأنه رغم أن عملية الإنشاء لا تتوقف فيها، إلا أن سلطات المقاطعة ترغب بتحويلها إلى معلم سياحي عالمي، لافتة إلى أن من مشاريع التطوير في الحديقة عرضا ليليا مستوحى من قصص ألف ليلة وليلة "حلم العودة إلى ألف ليلة وليلة"، ويحتوي على عروض بالليزر، ويشارك فيه 100 ممثل، ويستفيد العرض من فكرة كون "علاء الدين" مولودا في الصين، ولهذا يدعو العرض الحضور إلى الربط بين العرب والصين
ويشير الكاتب إلى أن القائمين على العرض أنفقوا بكرم، حيث استعانوا بمنتج من التلفزيون الرسمي الصيني، وأستاذ أكاديمية بيجين للدراما لتصميم الرقصات والإضاءة، وطلبوا من كاتب معروف في مجلة كتابة نص العرض، حيث أنفق القائمون على العرض 200 يوان صيني، أو ما يقابل 30.6 مليون دولار.
ويعلق الكاتب قائلا إن "الإعلام عندما ينشر تقارير عن العرض، فإنه يشير إلى كلفته "عرض الـ 200 مليون يوان وحلم العودة إلى ألف ليلة وليلة"، حيث إن مبلغ كهذا يجعل من يريد انتقاد الحكومة يصمت، فهي مستعدة لإنفاق مبلغ كبير كهذا على إحدى أقلياتها".
ويقدم فوندا صورة عن معالم الحديقة، بعد قيامه بزيارتها في آب/أغسطس العام الماضي، حيث قصر عائشة، الذي يقدم قصة الإسلام في الصين وانتشاره بين الهوي، ويقول إن المشرفين على متحف الحديقة يواجهون مهمة صعبة لربط المسلمين مع العالم، وإظهار اندماجهم في الثقافة وولائهم للصين، وتقديم صورة عن الدعم الذي قدمه الحزب الشيوعي لمسلمي الصين، وكيف ساهم المسلمون بدعم خطط السياسي المعروف صن يات- سن لبناء الصين الجديدة ومشاركة أول زعيم مسلم من الهوي اسمه ليو جيبنغ في الحزب الشيوعي الصيني.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن المتحف لا يتعرض للقمع الذي حصل للمسلمين أثناء الثورة الثقافية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مستدركة بأنه رغم الجهود الكبيرة للترويج لثقافة الهوي، فإن الحديقة والمتحف لا يزالان ينتظران السياح العرب.