نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب ماهان عابدين، حول الصراعات الداخلية في المنظومة السياسية
الإيرانية.
ويقول الكاتب: "مع أنه من المفروض أن يكون عيد النيروز رمزا للتجديد وحسن النوايا، حيث يحرص رجال النخبة في العادة على الحفاظ على المظاهر، إلا أنه أتى هذا العام في ظل مشاحنات بين القيادات الإيرانية، وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة، فما بدأ كونه خلافا بين الزعيم الروحي آية الله
خامنئي والرئيس
روحاني، بخصوص توسيع الصفقة
النووية لتشمل السياسات الداخلية، تفاقم بسرعة ليشمل تجارب الصواريخ الأخيرة".
ويضيف عابدين أن السياق المباشر لهذه المشاحنات هو الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء، التي حقق فيها الإصلاحيون وحلفاء روحاني أفضل مما كان متوقعا، مستدركا بأن الأهم أنها تمهد لانتخابات الرئاسة المهمة العام القادم.
ويجد الموقع أنه إذا كانت الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء أهم المعالم السياسية لإيران ما بعد الثورة، فإن انتخابات الرئاسة العام القادم ستكون أكثر أهمية.
ويشير التقرير إلى أن الانقسام الرئيسي في هذا الصراع السياسي المتكثف هو بين تحالف "وسطي" وغالبية الموالين للجمهورية الإسلامية بقيادة آية الله خامنئي، مستدركا بأن انتصار الوسط في هذه المعركة ليس مؤكدا.
ويذكر الكاتب أن روحاني، الذي لا يزال منتشيا بالانتصار في الانتخابات الحديثة، بدا أنه يشير إلى الانتخابات عندما قال في خطبة النيروز: "دعونا نحقق (برجام) آخر في السياسة الداخلية وفي الاقتصاد"، وبرجام هي اختصار لـ"الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني"، موضحا أن هدف روحاني من استخدام مثل هذه العبارات المستفزة، هو سعيه إلى ردة فعل من خصومه السياسيين.
ويستدرك الموقع بأن ردة فعل آية الله خامنئي كانت أقوى من المتوقع، حيث لم يسبق أن هاجم الزعيم رئيسا للوزراء وهو في مكتبه بهذه الحدة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يرى فيه بعض المحللين أن خامنئي يستخدم روحاني كبش فداء للضغط الأمريكي المستمر بعد الاتفاقية، وبالذات الفشل في رفع العقوبات المتعلقة بالنووي كلها، فإن الحقيقة هي أن الخلافات حول الاقتصاد كانت في حالة غليان لبعض الوقت.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذه الخلافات تفاقمت بسبب المصطلحات المستخدمة من معسكر روحاني، الذي يتعمد الخلط بين الاتفاقية النووية والقضايا المحلية، وبالذات التوجه الاستراتيجي للاقتصاد، مبينا أن هذا تحرش متعمد؛ لأن الاتفاقية تعد بين الفصائل المبدئية ومعظم المناصرين للجمهورية الإسلامية، شرا لا بد منه على أفضل تقدير، بالإضافة إلى أنها تراجع مهين على أسوأ تقدير.
وينوه عابدين إلى دعوة روحاني وحلفائه إلى اتفاقية مشابهة، لافتا إلى أنهم يعبرون دون مواربة عن رغبتهم في توسيع مجال الاتفاقية "التطبيعية"، لتشمل الاقتصاد، الأمر الذي يترجم عمليا بالدعوة إلى فتح الاقتصاد للاستثمارات الأجنبية، في الوقت الذي يعارض فيه خامنئي الاستثمارات الأجنبية، وبالذات الغربية، ويدعو إلى اقتصاد "مقاوم" يتميز بالمرونة والدفع الأقوى نحو الاكتفاء الذاتي.
ويبين الموقع أن هجوم روحاني الخطابي بعد الانتخابات يدفع إلى تنامي قاعدته السياسية، التي تضم الآن إصلاحيين وفصيل التكنوقراطيين، الذي كان متحالفا سابقا مع الرئيس هاشمي
رفسنجاني، مشيرا إلى أنه لذلك لم يكن مستغربا أن يدخل رفسنجاني الحلبة عبر تغريدات مثيرة حول تجارب الصواريخ، حيث كان يهدف إلى تخفيف الضغط عن روحاني.
ويفيد التقرير بأن النتيجة المباشرة لموقف روحاني ورفسنجاني من الاقتصاد وتجارب الصواريخ كانت رد فعل مصمم من المدافعين عن المؤسسة الإيرانية، مشيرا إلى أن قائد الحرس الثوري محمد علي الجعفري علق على تمجيد روحاني للاتفاقية النووية قائلا إن الاتفاقية ليست مصدر افتخار.
ويورد الكاتب أنه في موضوع اختبار الصواريخ، وبالذات معارضة رفسنجاني لاستعراض القوة، قام رئيس القضاء الإيراني آية الله صادق لاريجاني بمساواة التخريب الكلامي أو التشكيك بقوة البلد العسكرية بـ"الخيانة"، ودعا محامي الادعاء في أنحاء البلاد إلى مراقبة مثل هذه الحالات بهدف التدخل القانوني.
وبحسب الموقع، فإن هناك تطورات كبيرة في طريقها للسياسة الإيرانية، لافتا إلى أن كثيرا من العمليات الأساسية والظواهر الخارجية اكتسبت قوة ذاتية من خلال الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.
ويوضح التقرير أن أهم هذه التطورات هو التحالف الذي يزيد اتساعا، الذي تعد إدارة روحاني مركزا له، مشيرا إلى أن هذا التحالف الفضفاض يتضمن الآن العديد من الإصلاحيين المنهزمين في أواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية، بالإضافة إلى البراغماتيين والتكنوقراط الذين التفوا تقليديا حول رفسنجاني.
ويرى عابدين أنه "وإذا كان هذا التحالف غير مستقر وقابل للانتهاء، إلا أنه على المدى القصير إلى المتوسط قادر على تحقيق تغيرات سياسية مهمة إلى درجة التحويل، حيث إنه من ناحية انتخابية يعوض هذا التحالف روحاني عن غياب قاعدة واسعة مؤيدة له، بمنحه قاعدة انتخابية كبيرة من الإصلاحيين".
ويجد الموقع أنه من ناحية الاقتصاد السياسي، فإن معسكر روحاني بانحيازه إلى معسكر رفسنجاني، يصل إلى شبكة دولية كبيرة من المصالح الاقتصادية والتجارية، وسيحظى بتأييد أكبر من الحكومات والشركات الغربية.
ويشير التقرير إلى أن هذه كلها أخبار سيئة بالنسبة لخامنئي، حيث تعيد العلاقات المتدهورة بين خامنئي وروحاني الذاكرة إلى عقد التسعينيات، عندما صار انقسام وضع خامنئي في خانة المعارضة للمتنفذ في وقتها هاشمي رفسنجاني.
ويفيد الكاتب بأن خامنئي كسب وقتها المعركة بشكل كبير؛ لأنه كان ينظر إليه على أنه يمثل القاعدة الشعبية للجمهورية الإسلامية، وبعد مغادرة رفسنجاني للرئاسة بفترة طويلة، دعا خامنئي القواعد لتحقيق استقرار في المشهد السياسي بعد انتخابات 2009 الرئاسية المثيرة للجدل.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى احتمالية أن يلجأ الزعيم الروحي الإيراني إلى الإجراء القوي ذاته إذا استمرت الأمور بالسير لصالح التحالف الوسطي.