تأتي زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى
مصر، بدءا من الخميس، ومن المقرر أن يلتقي مرتين برئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، اليوم وغدا، بينما تبحث "مصر السيسي" عن أي أخبار أو مفاجآت سعيدة يحملها لها القدر في ثنايا هذه الزيارة، وسط كم هائل من الإحباطات التي ناءت بها ظهور المصريين مع حكم السيسي: أزمات طاحنة في الداخل والخارج، وأساليب مخابراتية وأمنية في التعاطي معها، لا تعالج الجذور، بل تكتفي بالقشور.
وربما هذا ما فطنت إليه الإدارة
السعودية، فلعبت على هذا الجانب النفسي خلال الزيارة، وعملت بذكاء على تسويقها لدى النظام، وأذرعه المختلفة، دون أن تكلف نفسها الكثير، وإن حاولت دغدغة مشاعر عامة المصريين، بالحديث عن "مفاجأة تحملها الزيارة إلى مصر"، بحسب تعبير السفير السعودي في القاهرة (أحمد القطان)، دون أن يتوقع المراقبون أي مفاجأة.
وفي السياق الدعائي المصري - السعودي، يمكن تفسير مواد إعلامية مثل: "هدية الملك سلمان 20 مليار جنيه استثمارات (نحو ملياري دولار فقط)"، بحسب مانشيت "المصري اليوم"، و"زيارة خادم الحرمين.. قبلة حياة للاقتصاد المصري" (اليوم السابع)، وتساؤل رئيس تحرير "الشروق"، عماد الدين حسين: "كيف يمكن استثمار زيارة سلمان؟".
أوصاف ودعاية بالجملة
القاهرة بادلت الرياض دعاية بدعاية.. فأطلقت الصحف المصرية، الصادرة الخميس، على العاهل السعودي، وزيارته، أوصافا دعائية كبيرة.
فقالت "اليوم السابع": الملك سلمان رجل الدولة المحنك.. زيارة تاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لمصر اليوم.. "ملك الحزم" يحسم ملفات "القاهرة - الرياض".
وفي ملحق مجاني أصدرته لهذه المناسبة، قالت "اليوم السابع"، أيضا: "القاهرة والرياض عاصمتا القرار العربي تواصلان التعاون المشترك في زيارة تاريخية للملك سلمان اليوم.. "ملك الحزم" في قلوب المصريين.. خادم الحرمين الشريفين يواصل مسيرة آل سعود في حب مصر".
وكذلك فعلت صحيفة "الوطن"، التي خصصت للزيارة ملفا من أربع صفحات، بعنوان: "السيسي - سلمان.. قمة الوعي العربي..
اقتصاديون: الزيارة فرصة ذهبية لجذب المزيد من الاستثمارات السعودية".
فيما أشارت الأهرام إلى "35 ملفا في قمة السيسي وسلمان اليوم"، وفق مانشيتها. واعتبرت "الأخبار" أن "زيارة سلمان صفعة على وجه مروجي شائعات فتور العلاقات بين البلدين"، مشيرة إلى أن: "الإرهاب واليمن وسوريا والجسر البري.. على طاولة السيسي وسلمان".
أما "الجمهورية" فلم تغب أيضا عن مهرجان الدعاية المقام للزيارة، فقالت: "خادم الحرمين الشريفين يبدأ اليوم زيارة تاريخية لمصر "السيسي - سلمان".. قمة إعادة بناء النظام العربي.. نقلة نوعية هائلة في العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة والرياض".
تضارب الاتفاقات والاستثمارات والمذكرات
وسادت سوق الدعاية تضاربات وتناقضات في ذكر عدد مذكرات التفاهم التي سيتم توقيعها، وحجم الاستثمارات السعودية المقرر ضخها.
وعن مذكرات التفاهم قالت "البوابة" إنها 14 مذكرة تفاهم، فيما قالت "الأهرام" - نقلا عن المتحدث الرسمي للرئاسة، علاء يوسف - إنه "سيتم توقيع 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
أما عن حجم الاستثمارات فقالت "اليوم السابع" إن "القمة ستشهد اتفاقيات بـ25 مليار دولار لتلبية احتياجات مصر من البترول".
فيما قالت المصري اليوم": "هدية الملك سلمان 20 مليار جنيه استثمارات".
بينما نقلت "الأهرام" عن مجلس الأعمال المصري - السعودي المشترك أنه تم تأسيس شركات عملاقة باستثمارات سعودية 36 مليار جنيه. وأشار مجلس الوزراء إلى اتفاق مصري - سعودي لتنفيذ مشروعات تنموية في سيناء بـ1.5 مليار دولار.
"المقال" تمتنع عن مهاجمة السعودية والوهابية
وفي سياق متصل، لوحظ تراجع موجة مهاجمة السعودية من بعض المدافع المنصوبة، طيلة الوقت، في بعض وسائل الإعلام والصحف المصرية.
وقد تجاهلت صحيفة "المقال"، لرئيس تحريرها "الذي كان مقربا من السيسي إلى وقت قريب"، إبراهيم عيسى، الزيارة تماما، فلم تشر إليها، ولو "ببنت شفة، إلا أنها في الوقت نفسه خلت من أي مادة أو مقال يهاجم السعودية والوهابية، وهو سلوك يومي اعتادته الصحيفة، وخالفته مع بدء الزيارة، اليوم الخميس، على غير عادتها.
ولنا أن نذكر أن الصحيفة خرجت، قبل 24 ساعة من الزيارة، أمس الأربعاء بمانشيت يقول: "الإرهاب له دين اسمه الوهابية"، ردا على تصريحات المفتي المصري، التي تساءلت معها الصحيفة: لماذا جاء كلام مفتي مصر عن العلاقات المصرية السعودية متزيدا مغالطا متزلفا؟ وكيف جاء كلام مفتي مصر أقرب إلى كلام الدبلوماسيين ووزراء الخارجية لا إلى كلام الفقهاء، وعلماء الدين؟
وفي هذا الصدد، طرحت "المقال" تساؤلات ذات مغزى، تضع السعودية في ثوب المستفيد الأول من الزيارة، وليس نظام السيسي، زاعمة أن السعودية لم يبق أمامها سوى مصر ووزنها الإقليمي.. فقالت: كيف تحاول الرياض كسب التأييد المصري لمواقفها في سوريا واليمن؟ وما علاقة هذه الزيارة بجولة أوباما في الخليج؟
وأضافت، في موضوع آخر: "بالأرقام.. كيف تبدل حال السعودية بعد تبدل السياسة الخارجية الأمريكية؟ لماذا فقد الاحتياطي النقدي السعودي 11 مليار دولار في سنة واحدة؟ ومن أين أتى عجز 326 مليار ريال في موازنة السعودية لعام 2016؟".
هذا مع رسوم كاريكاتيرية مسيئة للشخصية السعودية، تبرز إحداها سعوديا في صورة المنحني راكعا.
وهذا كله عمرت به الجريدة أمس الأربعاء فقط، بينما خلت تماما من أي كلمة حول السعودية والوهابية، وحتى زيارة الملك سلمان نفسها. ولا يتصور أن يحدث هذا دون تنسيق بين عيسى والأجهزة الأمنية والمخابراتية، وفق مراقبين.
الفجر: هجرة لأمريكا لا السعودية
وكذلك فعلت صحيفة "الفجر"، لصاحبها عادل حمودة، المقرب من السيسي حتى الآن، إذ تجاهلت مجرد الإشارة إلى الزيارة، ولو بكلمة، على الرغم من أنها تبدأ في يوم صدور الجريدة بعددها الأسبوعي "الخميس".
وسلطت "الفجر"، في المقابل، الأضواء على موضوعات محلية كمفاجآت الموازنة، وحكومة ساويرس، وفاتورة قتل ريجيني، وما ورد في "وثائق بنما" حول شركات علاء وجمال مبارك.
أما عادل حمودة فهاجر بمقاله، الذي يشغل في العادة الصفحة الثالثة كاملة، إلى الحديث عن أجهزة الرقابة المالية الأمريكية، مؤكدا أن "الديمقراطية" لا تتسلل في بطن "حصان طروادة"، بحسب تعبيره.
الأهرام: ريجيني أهم من سلمان
وبرغم أن "الأهرام"، هي جريدة نظام السيسي الأولى، التي يعتمد عليها في الدعاية له، والتعتيم على أخطائه، إلا أنه لم يكتب رئيس مجلس إدارتها أحمد النجار، وكذلك رئيس تحريرها محمد عبدالهادي، أي شيء عن الزيارة، على غير عادتيهما في مثل هذه الأحوال، من الكتابة المسهبة عن الدول الأخرى، سواء لدى زيارة رؤسائها إلى مصر، أو لدى زيارة السيسي لها.
بل تجاهلت "افتتاحية الأهرام" الزيارة، وفضلت الحديث عن قضية ريجيني التي لم تتوقف تطوراتها منذ أيام، ورأت أن: "الحكمة واجبة في قضية ريجيني"، كما رأت في عنوانها، وقد كان يمكنها أن تصدر بافتتاحيتين طالما أن الزيارة السعودية مهمة، ولا يصح عدم تناولها.
"البوابة" تتناول انتقال السطة
في المقابل، خصت "البوابة" (ذات التمويل الإماراتي)، الملك سلمان بترحيب خاص.
وقال رئيس مجلس إدارتها، عبدالرحيم علي، المعروف بصندوقه الأسود للتسريبات الأمنية الخاصة بالنشطاء والشخصيات العامة، إن "هذا الرجل له مكانة خاصة"، يقصد الملك سلمان، مشيرا إلى أن المنطقة العربية، وفي القلب منها المملكة العربية السعودية، أشد ما تحتاج إلى رسم خريطة واضحة للانتقال السلمي، والمنظم للسلطة"، على حد وصفه.