على مدار نحو ثلاث سنوات؛ حاول نظام الانقلاب في
مصر تمرير معادلة "
الأمن مقابل العيش"، التي يرى مراقبون أن النظام سعى إلى إرغام المصريين على قبولها من خلال الترهيب الأمني تارة، والترغيب في "بكرة تشوفوا مصر" تارة أخرى، مستعينا بأذرعه الإعلامية في "الهبوط بوعي الناس".
وبمرور الوقت؛ لم يشعر غالبية المصريين من المؤيدين والمعارضين، بجدوى تلك النظرية، فلا أمنا وجدوا، ولا "عيشا" أكلوا، حتى تآكلت جميع الشعارات التي طالما رقص عليها مؤيدو النظام، ولم يعد أمام نظام
السيسي الكثير من الوقت ليتعامل مع غضب وسخط المصريين، بحسب المراقبين.
نظرية ساقطة
يقول رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، رفعت محمود، إن الأنظمة الفاشية تبنت نظرية "الأمن مقابل العيش"، ولكنها فشلت، مضيفا لـ"
عربي21" أن "الدول التي ادعت أن الخطر الأمني هو التحدي الأول، ثبت أنها أنظمة شمولية استبدادية، لم تكن تعمل لصالح الشعوب؛ لا من قريب، ولا من بعيد".
وأكد أن "النظام في مصر انتهج نفس الطريق، ولم يخرج عن الإطار التاريخي لستالين ولينين وهتلر وموسوليني؛ كي يجد لنفسه مبررا للبقاء، وبالتالي اتخذ الأمن ذريعة لترويع المواطنين وإسكاتهم"، مشيرا إلى أن وسيلته في ذلك "قتل الوعي لدى الناس من خلال أذرعه الإعلامية الممولة من الإمارات، ورفع شعارات هتلر من قبيل (تحيا مصر)، معتمدا على أن غالبية الشعوب تنصاع للشعارات".
واعتبر أن "تعامل الدولة مع المواطن من منطلق الدولة الأبوية، التي تقرر ما هو في صالحه مقابل توفير لقمة العيش؛ قد سقطت منذ عقود، وربما قبل سقوط الدولة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي؛ لأن ذلك يصب في مصلحة فئة أو شريحة معينة تتخفى وراء شعارات وطنية وهمية".
لا أمن ولا عيش
بدوره؛ أكد المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، عبد الموجود الدرديري، أن نظرية "الأمن مقابل العيش" التي اعتمدها نظام السيسي منذ انقلاب 2013 "لم تحقق للمواطنين؛ لا الأمن، ولا العيش، ولا حتى الكرامة التي امتهنها رجال الأمن".
وقال لـ"
عربي21" إن "السيسي ونظامه غير مؤهلين لتحقيق أمن أو استقرار، أو حتى عيش حاف، من أي نوع"، مشيرا إلى أن "المبدأ المعروف بأن الطغيان والفساد وجهان لعملة واحدة؛ يلخص نظام السيسي، فلن نتخلص من الفساد قبل أن نتخلص من الطغيان".
وذهب إلى أن أكثر خطأ يرتكبه المصريون "هو ترك السياسة لمن يساومهم على لقمة العيش مقابل أمن مزيف، ولا يمكن ترك مصير الشعب في يد ثلة من المنتفعين"، وقال: "لكن قريبا؛ بات على السيسي أن يستعد لمواجهة حتمية مع غضب الشعب من جوعه وفقره وقهره".
دأب العسكر
أما الكاتب الصحفي أسامة البشبيشي؛ فاعتبر أن مساومة الشعوب على لقمة العيش مقابل الأمن؛ هو دأب حكم العسكر منذ 60 عاما.
وقال لـ"
عربي21": "العسكر يَعِدون ويُخلفون وعودهم، لا سيما بعد استيلائهم على السلطة بالدبابة، ويهدفون لتجويع الشعب وإفقاره وقهره وإذلاله، ومنعه من كافة حقوقه؛ بعد انحيازه للتيار الإسلامي في كافة الاستحقاقات الانتخابية".
وحذر من "أن المزيد من ذلك الضغط سيولد انفجارا كبيرا لا يُبقي ولا يذر، لا سيما مع انفضاض المجتمع الدولي والعربي عن مساندة السيسي وعصابته تدريجيا؛ بعد ثبوت فشله، وعدم قدرته على حفظ ولاء الشارع، أو جود رؤية واقعية تنتشل البلاد من أزماتها".
ولفت إلى أن القائمين على نظام السيسي "كعادة العسكر؛ سيسخّرون كل الوسائل المتاحة لديهم لاستنفار الشعب بفزاعة الإرهاب، حتى تبدو سرابا مع ضنك العيش، وصحوة الشارع، ووعيه بمكائد العسكر، فتكون لحظة سقوط السفاح وعصابته الذين يُعدّون واجهة للنظام العسكري الفاشي، وبالتالي سقوط المنظومة كاملة".
متاجرة بقوت المصريين
من جهتها؛ قالت المنسق العام للتحالف الثوري لنساء مصر، منال خضر، إن "السيسي تاجر بالشعب، ودلس عليه، وخدعه، وأوهمه أنه إذا قتل الإخوان وسجنوا واعتقلوا، واعتلى هو السلطة، وأصبح على رأسها؛ فسيمسك البلد بيد من حديد، وسيبني شبكة طرق، وستصبح مصر (أد الدنيا)، والنتيجة كانت أضغاث أحلام".
واستنكرت في حديثها لـ"
عربي21" طريقة "وزير سياحة الانقلاب المقال هشام زعزوع للترويج للسياحة، فعندما أتى برجل (شحاذ) وقال مخاطبا العالم؛ إنْ لم تأتوا لزيارة مصر، وتنعشوا السياحة في بلادي؛ فالراجل ده هيموت.. وصرنا أضحوكة العالم".
وأشارت منال خضر إلى "تراجع ترتيب مصر على مستوى المراتب العالمية في التعليم، والصحة، والحالة الأمنية، وزادت نسب التضخم، وارتفعت الأسعار، وكسر الدولار حاجز الـ10 جنيهات"، مؤكدة أن "ذلك كله جعل الشعب يستيقظ على أكذوبة الأمن مقابل الغذاء".