الوضع الكوني الآن في حالة حرب عالمية ثالثة، ذات طابع مختلف عن الحرب الكونية الأولى والحرب الكونية الثانية، فمن طبيعة هذه الحرب أنها حيدت وبنسبة كبيرة الأسلحة التقليدية، ورفعت قيمة المفرقعات والمتفجرات والسلاح الخفيف والمتوسط والصواريخ ذات المدى المحدود مثل الآر بي جي، وكذلك التي هي موجهة بالليزر ضد الأهداف أو الآليات، التي يستخدمها الأفراد المقاتلون.
هذا التحول الحربي الكوني الثالث ناشئ من نتائج تجارب الحروب الكونية السابقة وحرب الدول ضد الجيوش الشعبية، كما كان الحال في فيتنام وأيضا في أفغانستان؛ فالدبابات والمدفعية الثقيلة باتت محيدة الأثر في حروب العصابات والحرب الشعبية إلا ما ندر، ومفعولها لا يحسم معارك مع العصابات والمليشيات.
وبسبب ما أصاب الولايات المتحدة الأمريكية من مواجهة القاعدة كتنظيم ارهابي مليشي في تفجيرات أبراج نيويورك، فإنه لا يمكن شن حرب نظامية ضده بالسفن الحربية والغواصات، وبعمليات إنزال، فلجأت القوى العظمى لحرب العصابات بسلاح من مثله كما يقول العسكريون، فلكل سلاحٍ ،سلاحٌ مضاد له من مثله. وكان هذا السلاح في هذه الحرب الكونية الجديدة هو اختراع وتأليف ميليشيات مقاتلة مرتزقة ومن الشعوب نفسها، التي تكون فيها ومنها الإرهاب لتقاتل تلك العصابات في عقر دارها ودون خسائر تذكر؛ ومن هنا برز تنظيم ما يسمى “داعش” ليقاتل القوى التي تريدها بعض الدول الكبرى، ولمزيد من التخطيط، فإن هناك حلفاء مثل ايران يمكنها أن تؤدي مثل هذه المهمة تكوينا وتدريبا، دون أن تكون ظاهرة للعيان فهي وكيل بالباطن تماما مقابل صفقات.
وتسند هذه المليشيات المرتزقة أسلحة تقليدية وطائرات حربية دولية. وقد استخدمت بعض هذه الدول هذه العصابات الصناعية في اتجاهات عدة لتحقيق أهداف متعددة، ومنها تحرشها بدول يراد لها الدخول في الحروب لإنهاكها مثل تركيا، وذلك عن طريق زعزعة أمنها بالتخريب والتفجير والقتل بمساندة عصابات محلية مسنودة دوليا ؛مثل عصابات بي كاكا الكردية التركية وتنظيمات مسلحة أخرى داخل البلاد، لا تعترف بعض الدول بأنها تنظيمات إرهابية. فهي إذا حرب عالمية كونية ثالثة وبسلاح مدمر فتاك موجه، هو اختراع المليشيات المقاتلة المرتزقة لحرب قوى الإرهاب في عقر دارها، وهي سلاح ذو حدين كما هو “داعش”.
ومن جانب مهم آخر، فبعد حوادث التفجيرات القريبة في تركيا كانت الجمهورية التركية تطارد المشتبه بهم، وتطارد فلول العصابات وتحارب أوكارها في مقراتها في سوريا والعراق؛ وقد وجهت تركيا للدول الغربية تحذيرات من أشخاص مشبوهين طردوا من تركيا لرغبتهم في الانضمام لداعش ومنها بلجيكا وهولندا؛ ولكن بعض هذه الدول لم تأخذ تحذيرات تركيا مأخذ الجد، فآوت هؤلاء الخطرين في بلادها كمن يؤوي ثعبانا ساما في فراشه، وقد اعترفت بلجيكا بتقصيرها لأنها لم تأخذ بنصائح تركيا، وكان السبب الرئيسي في هذا ازدواجية المعايير في تقييم الإرهابيين، ووضع تنظيماتهم في خانة الإرهاب.
كانت بعض الدول الكبرى قد نقلت معاركها ضد الارهابيين إلى أرضهم في مبادرة دفاعية عن بلادها؛ فالحرب الدفاعية هي الحرب الهجومية. والسلاح كان المضاد بالمثل، وهو ذو حدين وتظهر خطورته أكثر عندما تنتهي مهمته ودون تصفيته، ليعود فيعض هنا وهنا وهناك ويعض بعض أصحابه.
عن صحيفة السياسة الكويتية