أنهى نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي زيارة قصيرة لإسرائيل ، وبدا لافتا أو من قبيل المفارقة أن الملف
الفلسطيني لم يكن حاضرا بقوة على جدول الأعمال أو أجندة الزيارة، وإنما جرى طرحه بشكل هامشي، حتى إن بايدن رفض إعطاء أي صبغة رسمية لزيارته للمقاطعة في رام الله.
وعموما وبعيدا عن الشأن الفلسطيني جرى التركيز على أربعة ملفات أساسية تتضمن العلاقات الثنائية الأمريكية الإسرائيلية، خاصة في بعدها الأمني، والحرب ضد داعش، كما العلاقة مع إيران بعد الاتفاق النووي، ولا يقل عن ذلك أهمية مناقشة الملف التركي، وتحديداً في ما يخص السعي لضم تركيا إلى التحالف أو التكتل الثلاثي الإسرائيلي اليوناني القبرصي المستند إلى التفاهم حول استخراج وتسويق الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وهو ما يقتضي بالضرورة ليس فقط تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وإنما حل الأزمة أو المشكلة القبرصية وهما الملفان اللذان يتولاهما ويعمل عليهم بشكل شخصي نائب الرئيس بايدن.
في ملف العلاقات الثنائية الأمريكية الإسرائيلية، جرى ويجري النقاش حول تجديد الاتفاق الأمني العسكري أو برنامج المساعدات المالية الذي يفترض أن ينتهي العام القادم 2017، وتحصل إسرائيل بموجبه على مبلغ يقارب الـ1.3 مليار دولار سنويا، بينما تعرض الإدارة الحالية زيادته إلى 3.6 مليار دولار لعشر سنوات قادمة، ولكن مع تعهد إسرائيلي بعدم طلب أي مبالغ أو ميزانيات إضافية من الكونغرس، وهو ما ترفضه تل أبيب التي تطالب بدورها بمبلغ يتراوح ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنويا.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو يحاول من جهته ابتزاز الإدارة الأمريكية في عام الانتخابات لعلمه بحاجتها إلى الصوت أو بالأحرى المال اليهودي لمرشح أو مرشحة الحزب الحاكم، والتي ستكون غالباً هيلاري كلينتون، وعموماً يحاول نتن ياهو انتظار الرئيس القادم على فرض أنه سيكون أفضل من أوباما، وفي الحد الأدنى لن يرفض المبلغ الذي عرضه هذا الأخير مع ترجيح أنه سيعرض رقم أو رزمة مالية أكبر.
في ما يتعلق بداعش ثمة حرص أمريكي دائم علي وضع تل أبيب في مجريات وتطورات الحرب ضدها وإبقائها في صورة ما يجري رغم أنها ليست عضو في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم ويضم دول عربية وإسلامية لا تقيم معظمها علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، وطبعا تسعى واشنطن للاستفادة من قدرات ومعلومات الأجهزة الإسرائيلية الأمنية النوعية - كما يقال - ومن جهتها تريد تل أبيب ضمان أن لا تتأثر مصالحها سلباً من أي تحالف أو من مجريات وتطورات الحرب والأهم محاولة اكتساب شرعية دولية وديبلوماسية ووضع نفسها في صف أو جانب من يحاربون الإرهاب ويتصدون له للاستفادة من ذلك في شيطنة المقاومة الفلسطينية، كما تسويغ وتبرير ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام.
إيرانيا، تسعى تل أبيب للاستفادة من الاتفاق النووي الأخير لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية عبر طلب تعويض أمني عسكري من واشنطن، كما ضمان الرقابة على تنفيذ الاتفاق، ومنع طهران من تطوير قدراتها النووية والأهم إبقاء الخطر الإيراني حاضراً - كما داعش - للفت الانتباه عن القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي كسبب رئيسي من أسباب عدم الاستقرار في المنطقة.
أما في السياق التركي فقد سعى بايدن إلى تسريع التطبيع التركي الإسرائيلي وهو عمل ويعمل أصلاً على الملف من فترة طويلة، وكان جاء من سويسرا إلى إسطنبول مباشرة للقاء القيادة التركية بعدما كان التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمى نهاية شهر كانون ثاني/ يناير الماضي. أما الجديد طبعاً فتمثل بما نقلته صحيفة هآرتس الخميس 10 مارس عن إبلاغ بايدن لنتن ياهو أن الرئيس أردوغان جاد في مساعيه ونواياه لتطبيع العلاقات بين البلدين، ورد نتن ياهو أن المفاوضات أو الحوارات تسير بشكل جيد، وإن ثمة عوائق أهمها رفض تركيا إغلاق مكتب لحماس تتهمه تل أبيب بقيادة أو الإشراف على العمليات ضدها - يقصدون الشيخ صالح العاروي الذى غادر استنبول منذ فترة - وإشارته أيضاً إلى المطلب التركي بتخفيف – جدي - الحصار عن قطاع غزة، وهو ما يمثل أيضاً عائق أمام نجاح المفاوضات حسب ما نقلت الصحيفة العبرية عن نتن ياهو علما بأن الاتفاق بات جاهزا تقريبا والمماطلة تاتى من الجانب الاسرائيلى مع خلافات داخلية غير مستغربة وتردد فى تخفيف جدى للحصار عن غزة نتيجة للافتقاد للشجاعة السياسية المطلوبة كما للموقف المصرى الرافض للفكرة ولأي دور تركي في المنطقة..
إلى ذلك يسعى بايدن لضم أنقرة إلى التحالف الثلاثي الاقتصادي الاستراتيجي المستند إلى الشراكة في ملف الغاز شرق البحر المتوسط، والذي يضم إسرائيل واليونان وقبرص الرومية، وكانت صحيفة هآرتس قالت أيضاً - 14 شباط/ فبراير- عندما نشرت نبأ الزيارة ووصول مساعدين لبايدن إلى تل أبيب للتمهيد والترتيب لها أن نائب الرئيس الأمريكي ساهم بشكل جدي في المباحثات بين الأطراف الثلاثة قبل الإعلان عن التكتل الاقتصادي الاستراتيجي الجديد، وأنه يريد أيضاً ضم تركيا إليه كي لا تشعر بالعزلة ولإبقائها ربما بعيداً عن ملفات المنطقة الساخنة، حيث الخلافات على أشدها بين أنقرة وواشنطن، والأهم موازنة الوجود الروسي المستجد في المنطقة، وحتى كسر الاحتكار الروسي للغاز في أوروبا عبر تشجيع مد أنبوب لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا مباشرة أو عبر قبرص وتركيا إلى القارة العجوز.
طبعا هذا الأمر يقتضي بالضرورة تطبيع تركي إسرائيلي، ولا يقل عن ذلك أهمية إنهاء الأزمة القبرصية، وهو الملف الذي يعمل عليه بجدّ أيضاً في الفترة الأخيرة نائب الرئيس الأمريكي بالتنسيق مع الأمم المتحدة وأمينها العام بان كى مون، ويؤدي ذلك في حال حدوثه ليس فقط إلى التطبيع بين تركيا وقبرص الموحدة، وخلق تكتل جديد اقتصادي استراتيجي في المنطقة يوازن الحضور أو الاقتحام الروسي لها، وإنما حل عقدة رئيسية تحول دون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي دعمته واشنطن وما زالت تدعمه بقوة كونه يضمن اندماج أنقرة في المنظومة الأوروبية الغربية ويبعدها من جهة أخرى عن الشرق الأوسط همومه ومشاكله وأزماته التي لا تنتهي.
عموما، في الأخير وباختصار سيتم التوصل إلى اتفاق أمريكي إسرائيلي جديد حول المعونات العسكرية سواء مع أوباما أو خلفه، وستتراوح قيمة المعونات بين ثلاثة ونصف مليار إلى أربعة مليارات دولار سنوياً لمدة عشر سنوات، وإذا ما تأكد نتن ياهو من احتمال جدّي لفوز مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون فربما يلجأ إلى عقد الاتفاق مع أوباما قبل الانتخابات كعربون أو دين يهودي للمرشحة الديموقراطية. أما إذا تساوت الحظوظ أو رفض أوباما القبول بالمبلغ المطروح إسرائيليا، فسينتظر نتن ياهو حتما إلى ما بعد الانتخابات.
أما في الموضوع التركي الإسرائيلي، فستظل واشنطن تسعى باتجاه التطبيع غير أنها لن تضغط على إسرائيل في هذا الملف، علماً بأن التفاهم شبه جاهز ونتن ياهو يتمنّع حتى الآن عن التوقيع المنتظر عموماً في أي لحظة، ولكنه قد لا يعني بالضرورة انضمام تركيا إلى الحلف الثلاثي الإسرائيلي اليوناني القبرصي غير أنه سيتضمن تفاهمات تركية إسرائيلية في ما يتعلق بالغاز وبالتأكيد سيخلق مع الوقت كتلة غربية حليفة موازية لروسيا لكن الأمر منوط حتماً بتدخل أو انخراط أمريكي أوسع، وهو ما لن يحدث بالتأكيد طالما ظل أوباما في البيت الأبيض.
• كاتب فلسطيني: رئيس تحرير نشرة المشهد التركي الإلكترونية.