حدثان مهمان حصلا في الأيام القليلة الماضية، الأول نشر المقابلة المطوّلة مع الرئيس الأميركي باراك
أوباما وعدد من المسؤولين الأميركيين والتي أجرتها مجلة "ذي أتلانتيك" والتي تحدث فيها أوباما والمسؤولون الأميركيون عن السياسة الأميركية في العالم وخصوصا تجاه الدول العربية والإسلامية وقد تضمنت المقابلة معلومات مهمة ومواقف وآراء لأوباما حول بعض القيادات العربية والإسلامية، وهذه المقابلة تستحق أن تقرأ بهدوء وتمعن لاستخلاص العبر وتحديد الأسس التي تنطلق منها السياسات الدولية بشكل عام والسياسة الأميركية بشكل خاص.
وأما الحدث الثاني فهو القرار الروسي ببد سحب القوات الروسية من سوريا بعد إنجاز مهماتها حسب حيثيات القرار الروسي، والأهم في هذا الحدث كيفية الإعلان عنه والظروف التي حصل فيها، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما بالقرار قبل حصوله، ومن ثم أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد، فيما لم يتم إبلاغ بقية الحلفاء وخصوصا إيران وحزب الله اللذين علما بالقرار من وسائل الإعلام بحسب بعض المصادر وكان القرار مفاجئا للكثيرين.
في المقابلة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الكثير من المعطيات والمعلومات ولكن هناك فقرة مهمة تتعلق بالإيرانيين والسعوديين حيث يدعو الطرفين للتشارك في ما بينهما لإدارة الأوضاع في المنطقة وتعلم كيفية التعايش مع بعضهما البعض والتعاون لوقف الحروب بالوكالة في سوريا والعراق واليمن، وكان أوباما واضحا بأن أميركا ليست مستعدة للقتال كرمى عيون أحد ولا تريد أن تنجر إلى الحرب مرة أخرى.
وبموازة كل هذه التطورات فإن القرار الروسي – الأميركي بوقف إطلاق النار في سوريا مستمر والمفاوضات السياسية بين الحكومة السورية وقوى المعارضة انطلقت في جنيف، والمبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا يعلن أنه إذا لم تنجح المفاوضات فإنه سيحيل الأمر إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار المناسب.
اذن نحن نعيش مرحلة تطورات مهمة، والقوى الدولية تريد الذهاب لوقف الحروب والأزمات السياسية في المنطقة نظرا للمخاطر التي أدت وتؤدي إليها هذه الأزمات، وخصوصا على صعيد الازدياد الكبير في عدد اللاجئين وانتشار مخاطر التطرف والعنف على الصعيد العالمي والأزمات المالية والاقتصادية.
وفي المقابل فإن هناك دولا عربية وإسلامية وقوى وحركات سياسية لم تدرك حتى الآن حجم المتغيرات الدولية والإقليمية وهي مصرة على الاستمرار في تصعيد مواقفها وتبادل الصراعات والاتهامات، ولن أتحدث هنا عن دولة معينة أو قوة أو حركة أو حزب محدد لأن الجميع يتحمل مسؤولية التصعيد والاستمرار في الصراعات القائمة، ولا نجد أن هناك من يتجرأ على الإعلان عن أخطائه ومسؤولياته تجاه ما يجري، فكل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية الخراب الحاصل في منطقتنا، في حين أن الجميع مسؤولون وكل فريق أو جهة يتحملون قسما من المسؤوليات ونحن بحاجة إلى مراجعة شاملة حول كل ما يجري، ويا ليت المسؤولين والقادة العرب والمسلمين يتحدثون لنا بصراحة عن كيفية إدارة شؤون دولهم وكيفية اتخاذ القرارات ويشرحون لنا إلى أين يقودوننا.
لكن المهم اليوم وفي ظل ما يجري من أحداث، أن نقف جميعا وقفة تأمل وتقييم لما جرى ويجري ولنعلن جميعا وقف كل هذه الصراعات العبثية في المنطقة ولنبدأ البحث عن حلول عملية وواقعية لكل هذه الصراعات، والزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى طهران وما جرى الاتفاق حوله من نقاط للعمل المشترك لوقف الصراعات في المنطقة، وكذلك الزيارة التي قام بها وفد من قيادة حركة حماس إلى مصر من أجل إنهاء الأزمة بين الحركة ومصر، نموذجان مهمان يمكن الاقتداء بهما من قبل جميع الأطراف العربية والإسلامية.
فلنوقف الصراعات ولنعد إلى لغة الحوار والتفاهم ولنبحث جميعا عن مصالحنا المشتركة قبل أن يقرر الروس والأميركيون مصيرنا ومستقبلنا.