دفعت البيانات الضعيفة المتعلقة بالاقتصاد
العراقي، صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية إلى أن تطرح سؤالا مباشرا: هل الأزمات التي يمر بها العراق قد تدفعه إلى الإفلاس؟
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته في عدد اليوم، إن صحيفة «الإندبندنت» البريطانية طرحت سؤالا مشابها قبل أيام حول «داعش أم
الاقتصاد.. أيهما سيدمر العراق؟»، وفي اليوم نفسه أطلقت «واشنطن بوست» على العراق لقب «الدولة التي تواجه احتمال الإفلاس».
وتستند التقارير الصحافية على البيانات الضعيفة المقبلة من العراق، وهي أرقام مقلقة بالفعل، فبجانب تكاليف الحرب مع «داعش»، تسدد الحكومة العراقية شهريا ما يقرب من 4 مليارات دولار في صورة رواتب لنحو 7 ملايين موظف، بالإضافة إلى معاشات للجيش، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط عالميا، الأمر الذي يعد مصدر لما بين 80 و90 في المائة من العائدات الحكومية.
هذا، كما يعاني العراق من فساد كبير، حيث يحتل المركز رقم 161 عالميا في تقرير مدركات الفساد العالمي الأخير من بين 168 دولة، وهو ما يدفع آلاف العراقيين إلى الشوارع احتجاجا على فساد الحكومة ونقص الكهرباء وغيرها من الخدمات، وهم مطالبون بدفع المزيد من الأموال نظير هذه الخدمات، في حين تم تخفيض المرتبات الحكومية.
وفي تطور غريب، أدخلت المستشفيات التي كانت على مدار وقت طويل تعالج العراقيين بالمجان رسوما قليلة حتى على أولئك الذين يزورون أقاربهم المرضى وزادت الرسوم الجمركية، كما أن هناك خططا لزيادة رسوم الكهرباء.
ويتعين على البلد سداد فواتير تتعلق بإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب وتقديم مساعدات لنحو 3.3 ملايين عراقي ممن نزحوا داخليا على مدار العامين الماضيين.
ويتوقع العراق عجزا في الموازنة بنحو 25 مليون دولار هذا العام، لكن هذا كان مستندا إلى وصول أسعار النفط إلى 45 دولارا للبرميل، وهو أمر لم يحدث حتى الآن، ما يشير إلى زيادة هذا الرقم بنسب كبيرة خلال العام الجاري.
وتتراوح التوقعات حول نسبة العجز لإجمالي الناتج العراقي بين 11.9 في المائة إلى 18.4 في المائة، وفقا للأرقام المتباينة في تقارير مختلفة تتراوح بين التفاؤل الشديد أو التشاؤم الكبير لكل من الحكومة العراقية وصندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني.
وللتعامل مع هذا العجز على المدى القصير، يستعين العراق باحتياطاته من النقد الأجنبي، ومن المتوقع أن ينخفض الاحتياطي إلى نحو 43 مليار دولار مقارنة بنحو 59 مليار دولار في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ويسعى العراق للحصول على المزيد من الأموال من صندوق النقد الدولي بعدما تلقى قرضا عاجلا بقيمة 1.24 مليار دولار العام الماضي، فيما تعرض الولايات المتحدة تقديم قرض بقيمة 2.7 مليار دولار للإنفاق العسكري، في حين أقرضت ألمانيا العراق ما يزيد قليلا على 500 مليون دولار لإعادة الإعمار.
كما أصدرت الحكومة العراقية سندات محلية، وتسعى إلى إصدار سندات دولية في وقت يطالب فيه المستثمرون حول العالم بعائدات مرتفعة.
وفي مطلع الشهر الحالي، أعلنت شركة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني ارتفاع
ديون عدد من الحكومات العربية إلى أكثر من الضعف العام الماضي، متوقعة أن تظل مرتفعة خلال 2016، مؤكدة أن ديون العراق تجاوزت مبلغ 30 مليار دولار خلال العام الماضي، حيث تجاوز إجمالي الديون العراقية الداخلية والخارجية حاجز الـ70 في المائة من الناتج الإجمالي، وبذلك تكون تجاوزت الحدود الآمنة.
كما أعلنت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» عن تعديل تصنيف الاقتصاد العراقي من «مستقر إلى سلبي» بسبب تراجع أسعار النفط وسوء الوضع السياسي والأمني، ولكن المؤسسة نفسها توقعت تحسن وضع العراق بصورة أكبر خلال عام 2017.
كل هذه البيانات تشير إلى أن الوضع سيئ، ولكن مقارنة بباقي دول العالم، نجد أن العراق في أزمة وليس «مفلسا».
فإذا كانت هذه التقارير انتقدت اعتماد تقديرات الموازنة العراقية وفقا لأسعار بترول مرتفعة نسبيا إلى 45 دولارا للبرميل، فهذه الصحف أيضا اعتمدت على أن يبقى سعر البرميل عند 30 دولارا، بينما السعر الحالي يدور حول 40 دولارا، وهو أقرب للتوقعات العراقية مما يقلل من حدة الأزمة.
وعلى الرغم من أن دولة العراق تم حذف اسمها من تقرير التنافسية الدولية لاستحالة جمع البيانات في مثل هذه الأوضاع، إلا أنه في حالة وجودها سيكون عجز الموازنة العراقية أقل من دول مثل مصر وفنزويلا، وهي دول لم تفلس بعد وغير مهددة بالإفلاس، كما يحتل العراق ترتيبا متأخرا بشدة في مؤشر مدركات الفساد ويسبق بعض الدول سريعة النمو مثل أنغولا وغيرها.
ورغم الانتقادات الشديدة لخطط التقشف العراقية، فإن معدلي التضخم السنوي والشهري في البلد شهدا انخفاضا في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، مما يعني أن أثر الإصلاحات التي ترغب فيها الحكومة العراقية لن تكون مدمرة لموازنات المواطنين.
حيث أعلنت وزارة التخطيط أن الأرقام القياسية لعدد من الأقسام قد انخفضت في شهر كانون الثاني/يناير ومنها قسم الأغذية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 3 في المائة وقسم النقل بنسبة 0.9 في المائة وقسم الاتصال بنسبة 0.2 في المائة وقسم الترفيه والثقافة بنسبة 5.3 في المائة.
وتوضح هذه البيانات أن العراق يمر بأزمة خانقة، وأن عليه اتباع سياسات تقشفية ومكافحة الفساد بشكل حقيقي، واقتراض مبالغ كافية من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية لسد الاحتياجات الضرورية وإدارة الاحتياطي بشكل يضمن الاستقرار المالي لأطول فترة ممكنة مع التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص.