نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية مقالا للكاتب والناقد الفني الألماني روديغار سوخسلند، تحدث فيه عن زيارته لطهران التي دامت تسعة أيام، وما لاحظه من قطيعة بين نظام
الملالي الذين يمسكون بالسلطة ويسيطرون على المجتمع باسم الدين، والشباب الحالم بالحرية والانفتاح على العالم.
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن زيارته لإيران على هامش المهرجان "سينما الواقع" للأفلام الوثائقية والتجريبية، مكنته من اكتشاف هذه البلاد بعيدا عن الصورة القاتمة التي عرفها عنها العالم، والأحكام المسبقة التي ارتبطت بها على مدى عقود، حيث إن حب الحياة والرغبة في الانعتاق تتجاوز كل القيود وأنواع الرقابة المفروضة على المجتمع.
وذكر الكاتب أن تصرفات المسافرين لدى اقتراب الطائرة من الهبوط في طهران كانت أشبه بمسرحية كوميدية، حيث عمت المكان أجواء عدم الارتياح، وقامت كل امرأة على متن الطائرة بإخراج حجاب من حقيبة يدها وتغطية رأسها، في صورة تلخص العالم الموازي الذي يعيش فيه عدد كبير من
الإيرانيين.
وأضاف أن الإيرانيين قابلوه بأسئلة غريبة حول العالم الغربي، تكشف الأفكار المغلوطة التي يتم تقديمها لهم. فما إن يتجاوزوا مرحلة الخجل ويتعودوا الضيف، حتى يطرحوا أسئلة من قبيل: "هل صحيح أنه يمنع ترديد النشيد الوطني في ألمانيا؟"، و"هل صحيح أن اللاجئين يتم إجبارهم على التخلي عن الإسلام قبل عبور الحدود الألمانية؟".
ونقل الكاتب انزعاج الإيرانيين من أساليب المنع والرقابة التي تفرضها الحكومة على الشعب، حيث يتم إغلاق عدد كبير من مواقع الإنترنت، والتجسس على وسائل التواصل بين الناس. ولكن الإيرانيين تأقلموا مع هذا الواقع المعيش، وتعلموا كيفية التظاهر بالالتزام بالتعليمات، ثم الالتفاف عليها بعيدا عن أعين السلطة.
ونقل في هذا السياق رأي شاب يدعى غولي، أكد أن "هنالك هامشا كبيرا للمناورة والهروب من الرقابة، حيث إن هنالك تطبيقات تمكن من كسر الحظر المفروض على مواقع الإنترنت".
ورأى الكاتب أن الصحف الإيرانية تعتمد على ثلاثة تقويمات مختلفة للإشارة للتاريخ، وهي التقويم الهجري والفارسي والميلادي، كما يعيش الإيرانيون أيضا في ثلاثة عوالم مختلفة، ويكفي النظر بانتباه للناس في الشوارع لملاحظة عدة تفاصيل تفضح الصراع الدائر بين الملالي الممسكين بالسلطة، وعامة الشعب، وخاصة منهم فئة
الشباب، حيث تعمد أغلب النساء لكشف جزء من الشعر، في إشارة إلى رفض القواعد المشددة المتعلقة باللباس، وأن بعضهن يقمن بكشفه بالكامل.
وأضاف أن كل تفصيل صغير في إيران هو إشارة مبطنة لموقف من المنظومة السياسية والاجتماعية، حيث إن الحجاب الملون يشير إلى الليبرالية، تماما مثل وضع مساحيق التجميل وطلي الأظافر وارتداء السراويل الضيقة.
ونقل الكاتب عن سارة، وهي شابة إيرانية من عائلة ميسورة، ودرست الأدب، وتعمل في المجال الثقافي، قولها إنها تملك سيارة خاصة بها، وتخرج في الليل للسهر، وهي لا تزال تعيش مع والديها رغم أنها بلغت سن الثامنة والعشرين؛ لأنها لا تريد أن تتزوج، فهي بذلك ستخضع للمزيد من التضييقات، مثل منعها من السفر دون موافقة زوجها.
وأكدت سارة أن عددا كبيرا من الشباب الإيراني يعيش حياة مشابهة للثقافة الغربية، وتنتشر على موقع إنستغرام صور العشاق الذين يرتادون أماكن خاصة، حيث لا يتم الالتزام بالقوانين الصارمة، وقد تصل هذه العلاقات الحميمية من مجرد مسك اليد إلى ممارسة الجنس، فكل شخص في إيران يفعل ما يريد تماما كما في الغرب، المهم أن يعرف متى وكيف، كما ينقل الكاتب.
وقال الكاتب إن الشباب الإيراني عندما يتطرق للسلطة الدينية التي تحكم البلاد، يشير إليها بعبارة "النظام"، ويتحدثون عن الملالي كما لو أنهم مجموعة من الكائنات الفضائية الغازية التي تحتل بلدهم، ويرون أن دور رجال الدين المتشددين بدأ منذ الانقلاب على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق، الذي دبرته الولايات المتحدة؛ لأنه كان يريد تأميم الثروات النفطية، ومنذ ذلك الوقت تورط الغرب في دعم رجال الدين ضد الشيوعيين المدعومين من موسكو، ما أدى لزرع بذور الفاشية الدينية في البلاد.
من ناحية أخرى، أشار الكاتب إلى أن مهرجان الأفلام الذي حضره في طهران ينظمه مركز طهران للأفلام الوثائقية والتجريبية، وهو مؤسسة ممولة من قبل الحكومة، وتمثل التيار الليبرالي الجديد الذي يسعى لدفع البلاد نحو مزيد الانفتاح، خاصة أن فترة رئاسة حسن روحاني تمثل فرصة للنهوض بهذا القطاع، حيث إن روحاني عرف بشغفه بالسينما، وكان قد اتخذ قرارا بعيد وصوله للرئاسة بإعادة فتح سينما طهران. ولكن رغم هذه الإرادة فإن مقص الرقابة كان حاضرا بقوة في المهرجان، وتدخل في أغلب الأفلام المعروضة.