وصف الكاتب البريطاني
روبرت فيسك، قطع المساعدات
السعودية مؤخرا عن
لبنان، بأنه "إشاحة للوجه"، مشيرا إلى أن ذلك يأتي بسبب "خيانة لبنان وعدم امتنانه" لعقود من المساعدات.
ووصف فيسك المشهد اللبناني، بمقال له في عموده مع "الإندبندنت" البريطانية، الخميس، بقوله: "إذا سافرت من صيدا السنية إلى الجنوب الشيعي، فكأنك سافرت من السعودية إلى إيران في عشر دقائق"، موضحا أن صيدا - مثل أكبر المدن السنية اللبنانية طرابلس - استمتعت بالهبات السعودية.
في المقابل، ففي الجنوب، حيث يتواجد معظم مقاتلي
حزب الله، مسلحين ومدفوعا لهم من طهران، تملأ صور "الشهداء" كل الجدران في القرى، واصفا هذه المنطقة بـ"الرئة" التي تتنفس منها إيران.
أما الآن، فإن السعودية تنجرف نحو الحرب في اليمن، وتهدد بإرسال جنودها قليلي التدريب إلى سوريا، ويقابل ذلك إشاحة سعودية عن لبنان، بسبب خيانتها وعدم امتنانها لعقود من الفضل السعودي.
وأشار فيسك إلى توقف الوعود السعودية المتكررة بإنفاق 3.2 مليار جنيه إسترليني (4.5 مليار دولار) على أسلحة فرنسية جديدة للجيش اللبناني، في المشروع الذي كان مدعوما من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، كما أن السعودية طلبت من مواطنيها مغادرة البلاد، وأوقفت رحلاتها الجوية، لأن لبنان "مركز للإرهاب" بحسب السعودية.
وكان سبب ذلك، هو الهجوم الكبير الذي شنه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي يقاتل جنوده باستماتة في صف رئيس النظام السوري بشار الأسد، عدو النظام السعودي، بحسب فيسك.
وبعد إنفاق المليارات على لبنان لعقود، لبناء البلاد بعد الاقتحامات والغارات الإسرائيلية، وجد السعوديون أنهم لا يستطيعون منع الشيعة اللبنانيين، ممثلين بحزب الله، من التعبير عن غضبهم تجاه الرياض، خصوصا بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، بالإضافة إلى عدم إدانة لبنان لحرق السفارة السعودية في طهران ومشهد.
"سيندمون"
ورأى فيسك أن السعودية ستندم على هذه الخطوة، لأن "سحب السجادة السحرية المالية" من تحت أقدام لبنان سيدفع البلاد نحو "أصدقاء" آخرين، ليس آخرهم إيران، التي أعربت عن سعادتها لتمويل الجيش اللبناني حتى سبعة مليارات جنيه إسترليني (10 مليارات دولار تقريبا)، بأسلحة إيرانية.
وأثناء ذلك، فإن الأمريكيين والبريطانيين ما زالوا محتاجين لدعم الجيش اللبناني "العلماني" بما يكفي من الأسلحة لحماية لبنان من تنظيم الدولة، الذي سيطر مؤخرا على بلدة عرسال، شمال شرق البلاد، وما زال يحتجز تسعة جنود لبنانيين، ولذلك فهم يطالبون السعوديين بإبقاء وعودهم.
"دراما لبنان"
لكن هذه الأزمة، بحسب فيسك، ليست أعظم الأزمات في "دراما لبنان" الذي يعيش بدون رئيس أو برلمان فعال، ولا حتى جهاز للنفايات.
واعتبر فيسك أن تحذيرات "الإرهاب" لن تمنع السعوديين من التوجه إلى لبنان حالما ترتفع درجات الحرالة في الرياض وجدة، وإذا لم يذهبوا بالطيران السعودي، فسيذهبون عبر طيران آخر هناك، بحسب تعبيره.
وأشار فيسك إلى القضية التي أسماها "أمير الكبتاغون"، في إشارة للأمير السعودي المعتقل في سجون لبنان، بادعاء محاولته تهريب المخدرات عبر طائرته الخاصة في مطار بيروت العام الماضي، وحال اعتقاله فإن السفير السعودي في لبنان استدعى وزير الخارجية اللبناني، وأعلن إطلاق سراحه على أنه "ضرورة سياسية".
ويبدو رئيس حركة المستقبل اللبنانية والرئيس السابق سعد الحريري، بالإضافة لوالده المغتال رفيق الحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية، محبطا بسبب تحركات الدولة التي يدين لها بالولاء كما يدين للبنان، بحسب فيسك.
وأوضح فيسك أن تيار المستقبل لم يحاول كما ينبغي من أجل تخفيف لهجة الانتقاد اللبنانية الرسمية للسعودية والجامعة العربية، كما أنه كان يجب أن يمنع حزب الله من المشاركة في الإخلال بأوضاع اليمن والبحرين.
ومن جانب آخر، فقد أصر الشيخ محمد يزبك، رئيس الهيئة الشرعية لحزب الله، على أن السعوديين هم الذين يجب عليهم الاعتذار من لبنان "الذي كان دائما إلى جانب الأمة العربية"، موضحا أن لبنان "ليس مزرعة لآل سعود أو غيرهم".
"عفوية"
وأشار فيسك إلى المظاهرات التي وصفها حزب الله بـ"العفوية" والتي اندلعت في المناطق الشيعية، حيث بثت قناة محلية مقاطع كرتونية ساخرة عن حسن نصر الله "غير القابل للمس"، وسخرت فيها من نفي حزب الله المتكرر لاتهامات ولائه لإيران.
وبينما تعاني السعودية بسبب انهيار أسعار النفط، وتكلفة الحرب اليمنية، وارتفاع وتيرة الفقر داخليا، فإن إيران التي شهدت غياب العقوبات ستكون سعيدة لأخذ مكان السعودية كمنقذ للبنان، وكشرطي جديد للشرق الأوسط، مكان الولايات المتحدة.
واختتم فيسك بالقول: "أليس من الغريب أن اسم إسرائيل لم يظهر مرة واحدة وسط كل هذه المعمعة؟".