أسبوع حافل تزاحمت فيه الأحداث الكبيرة شرقا وغربا لتثبت في مجملها أن الملف الليبي هو في أشد حالات الميوعة وأنه قابل لمزيد من التحولات الكبيرة والخطيرة.
الحكومة التي أُعيد تشكيلها من قبل المجلس الرئاسي بطلب من مجلس النواب تنتظر الاعتماد بعد أن أخفق البرلمان في الالتئام لاتخاذ قرار بشأنها. لكن الوضع لم يكن طبيعيا، فما قصه برلمانيون على شاشات الفضائيات وعلى صفحاتهم الخاصة في الوسائط الاجتماعية يؤكد أن الخلاف بين أعضاء البرلمان على أوجه ونجح الرافضون للحكومة، وهم الأقلية، في عرقلة الاجتماع المقرر للبرلمان لاتخاذ موقف من التشكيلة الحكومية.
البيان الموقع عليه من المائة عضو يؤكد أن النصاب كان متحققا، وتظهر بعض الفيديوات المسربة أن هرجا ومرجا وسباب وشتم قد وقع دفع برئيس البرلمان لمغادرة القاعة وانفضاض المجلس دون تداول أو نقاش أو تصويت.
تزامن الجدل والخلاف الحاد حول الحكومة في البرلمان مع تقدم الجيش والصحوات ميدانيا في بنغازي وسيطرتهم على بعض المواقع التي تمركز فيها مجلس شورى ثوار بنغازي منذ اندلاع الحرب في بنغازي العام المنصرم، وهو بلا شك كان عامل محفز لمن يمكن وصفهم بـ "أنصار الجيش في البرلمان" أو أصحاب التوجهات الجهوية للضغط لمنع التصديق على الحكومة بعد أن ظهر أن أغلبية أعضاء البرلمان يتجهون لإقرارها.
الفيديو الذي يظهر حضور رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وبعض أعضائه من المنطقة الشرقية مع بعض الأعيان والمشائخ وبرلمانيين يسلط بعض الضوء على أسباب الاخفاق في إقرار الحكومة، فاللهجة الواثقة والمتحدية التي تحدث بها عضو المجلس الرئاسي، علي القطراني، تعكس إصرار مكون أساسي في العملية السياسية وهو الجيش ومؤيدوه على عدم إقرار الحكومة إلا بعد الموافقة عليها من قبلهم. القطراني أقسم أمام الحضور، بمن فيهم السيد فايز السراج، أنهم لن يسمحوا للحكومة بدخول بنغازي حتى لو أقرها البرلمان، حتى يتم الموافقة على شروطهم والتي تتمحور حول حقيبة وزارة الدفاع حيث يرفض هؤلاء ترشيح العقيد المهدي البرغثي لحقيبة الدفاع برغم أنه من أنصار عملية الكرامة ويقاتل مع الجيش في بنغازي. ولقد لخص القطراني رفضه بعبارة واضحة وهو أن القبول بالمهدي البرغثي كوزير دفاع يخلق فتنة داخل معسكر الجيش والكرامة، وذلك بالرجوع إلى عدم دخول البرغثي بشكل كامل تحت سلطة خليفة حفتر، ولو وقع هذا لما دار جدل حوله، فحفتر لم يرشح نفسه للوزارة ولكنه حريص على أن يكون المرشح تحت إمرته ويقبل التنسيق الكامل معه، وهو ما يبدو غير ممكن في حال تم تعيين المهدي البرغثي.
بالانتقال ألف كم غربا تظهر ملامح مختلفة لتطورات المشهد. ففي حين تستعد قوات تابعة أو تنسق مع حكومة الانقاذ لبدء حرب ضد تنظيم الدولة في مدينة سرت، أقدمت مجموعات تنسب نفسها له على التحرك ميدانيا وبشكل مفاجئ داخل مدينة صبراته الواقعة 80 كم غرب العاصمة حيث سيطرت على بعض المقار الرسمية الحيوية منها مديرية أمن المدينة وذلك على إثر القصف الأمريكي لموقع تمركز فيه عناصر ينتسبون للتنظيم معظمهم أجانب. تحرك ثوار المدينة وعناصر من القوة المتحركة لملاحقة التنظيم ولحق بيهم ثوار ومساندون من مناطق عدة حول صبراته بمن فيهم الزنتان والجميل ورقدالين، وهي بادرة مهمة تدلل على أن الخلاف حول تحديد من هم الإرهابيين في المنطقة الغربية قد يكون أيسر من الخلاف حولهم في المنطقة الشرقية.
تفاعلات متعددة بين السياسي والأمني ولكنها شديدة الحدة والخطورة، والسمة الغالبة هو أن ما يقع أحداث كبيرة وتتعاظم في مقابل نزاع وخلافات وتشتت على المستوى القيادي والسياسي ومن هنا يمكن يخطر، فكل تحدي قابل للمجابهة والاحتواء مهما عظم خطره في حال توافق الليبيون في الشرق والغرب والجنوب على مسار سياسي وأمني واحد، أما إذا ظل النزاع قائم فالخطر القليل قابل للتعاظم، وسيهدد الجميع أفرادا وكيانات.
وأنهي المقال بسؤال في غاية الأهمية في نظري ويحتاج إلى بحث معمق قبل الإجابة عليه وهو: لماذا نجحت كتيبة ابوسليم ومن ساندهم من شباب مدينة درنة في إخراج تنظيم الدولة من المدينة ومحاصرته في منطقة الفتائح برغم قلة العتاد والرجال، وينجح ثوار صبراته ومن ساندهم في لجم التنظيم في صبراته، بينما فاتورة الدمار والقتل في ارتفاع في بنغازي والنتائج محدودة جدا؟!