أثار ما حققه المقاتلون
الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة من تقدم سريع في شمال
سوريا بالاستفادة من غارات القصف الجوي الروسي للسيطرة على مناطق قرب الحدود التركية، حنق أنقرة وهدد بدق إسفين بين أعضاء حلف شمال الأطلسي.
ومنذ فترة طويلة ترى واشنطن في حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي وجناحه العسكري
وحدات حماية الشعب أفضل فرصة متاحة لها في المعركة مع تنظيم الدولة في سوريا.
وأدى هذا إلى انزعاج
تركيا عضو حلف شمال الأطلسي التي تعتبر هذه الجماعة إرهابية وتخشى أن تثير مزيدا من القلاقل بين الأقلية الكردية في تركيا نفسها.
وفي الأسابيع الأخيرة، أحدث القصف الروسي تحولا في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ خمس سنوات وحول الزخم بشكل حاسم لصالح الرئيس السوري بشار الأسد حليف موسكو.
وأصبح الجيش السوري على مسافة 25 كيلومترا فقط من الحدود التركية ويقول إنه يهدف لإغلاقها بالكامل ليقطع بذلك شريان الحياة الرئيسي الممتد إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة واستعادة مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية قبل الحرب.
وفي الوقت نفسه استغلت وحدات حماية الشعب الوضع واستولت على أراض من جماعات معارضة أخرى في المنطقة.
وتقول واشنطن إنها لا تعتقد أن الأكراد ينسقون تنسيقا مباشرا مع موسكو، غير أن تقدم وحدات حماية الشعب قد يمثل ضربة محكمة من جانب
روسيا التي قد تستفيد من أي خلاف بين تركيا والولايات المتحدة العضوين في حلف شمال الأطلسي.
وقال متين جورجان الذي يعمل محللا أمنيا مستقلا بعد تقاعده من الجيش التركي: "الآن هذه هي معضلة وحدات حماية الشعب. هل ستستمر مع أمريكا أم مع روسيا وستؤثر عواقب هذا الخيار الاستراتيجي على مستقبل سوريا بالإضافة إلى الاشتباكات المستمرة في تركيا".
وقد قصفت تركيا مواقع وحدات حماية الشعب داخل الأراضي السورية على مدى أربعة أيام متتالية.
وترى تركيا أن وحدات حماية الشعب تمثل امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي خاض معارك في السنوات الـ30 الماضية من أجل الحكم الذاتي في جنوب شرق البلاد الذي يغلب عليه الأكراد.
وتصور تركيا الأكراد على أنهم ورقة في يد روسيا.
كما تتهم تركيا روسيا بتعمد استهداف المدنيين في سوريا بما في ذلك مستشفيات أصابتها قذائف الأسبوع الماضي فيما وصف بأنه "جريمة حرب" لإفراغ المنطقة من سكانها قبل تقدم القوات الحكومية.
وتنفي موسكو ذلك وتتهم تركيا بدعم جماعات جهادية سورية سرا.
وكانت الولايات المتحدة التي تدعم المقاتلين الأكراد في مناطق أخرى في المعركة ضد الدولة قد دعت وحدات حماية الشعب إلى وقف تصرفاتها التي قد تزيد فرص الاحتكاك بين الطرفين في
شمال سوريا.
كما حثت واشنطن أنقرة على وقف قصف مواقع وحدات حماية الشعب.
وقال مارك تونر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين هذا الأسبوع، إن واشنطن لم تشهد دليلا على أن وحدات حماية الشعب تتعاون مع الروس.
قمع منذ عشرات السنين
ويقدر أن عدد الأكراد الذين يعيشون في إيران وتركيا والعراق وسوريا بنحو 30 مليون نسمة. ويمثل أكراد سوريا أكبر أقلية عرقية وقد عانوا لعشرات السنين من القمع في ظل حكم الرئيس بشار الأسد ووالده من قبله.
وفي ظل نظام دمشق، كان الأكراد ممنوعين من تدريس لغتهم وكثيرا ما أخرجوا من أراضيهم بل وكانوا يحرمون من حقوق المواطنة الكاملة، وتقع في منطقتهم بعض من احتياطيات سوريا من النفط الخام التي تقدر بنحو 2.5 مليار برميل، لكن الأكراد لم يستفيدوا منها استفادة تذكر.
أما الآن، فقد بدأ الأكراد اقتطاع منطقة نفوذ خاصة في شمال سوريا الممزقة تماثل منطقة الحكم الذاتي التي يعيش فيها الأكراد في شمال العراق.
وتعهد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو هذا الأسبوع بمنع وحدات حماية الشعب من توسيع منطقتهم وقال: "روسيا تستخدم هذه الآلة لوضع تركيا في وضع صعب".
وفي المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية، ظهرت بوادر على أن تركيا مستعدة للعمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي وغيره من الجماعات الكردية، إذا لبت ثلاثة شروط هي أن تظل معارضة للأسد بلا هوادة وأن تتعهد بعدم السعي للحكم الذاتي عن طريق العنف أو قبل تسوية الصراع الأوسع نطاقا وألا تشكل خطرا على تركيا.
وقال مسؤول رفيع بالحكومة التركية في آب/أغسطس 2013، بعد دعوة صالح مسلم الرئيس المشارك للحزب إلى اسطنبول لإجراء مباحثات: "ليست لنا مشكلات مع طموحاتهم. وما نريده من أي جماعة هو أن تستغل الوضع الحالي لفرض إرادتها بالقوة".
تدهور العلاقات
لكن العلاقات سرعان ما تدهورت ووصلت إلى أدنى مستوياتها في نهاية عام 2014 عندما حاصر مقاتلو داعش مدينة كوباني ذات الأغلبية الكردية على الحدود التركية لأربعة أشهر في حين كانت الدبابات التركية تراقب الوضع من التلال المحيطة.
وسمحت تركيا لقوات البشمركة الكردية العراقية بالمرور عبر أراضيها للمساعدة في الدفاع عن المدينة. لكن عدم تدخلها مباشرة لدعم وحدات حماية الشعب الكردية حتى بعد تنفيذ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضربات جوية ضد الدولة أثار غضب الأكراد في كل من سوريا وتركيا.
وزاد هذا من الضغوط على علاقة حكومة أنقرة مع أكراد تركيا. وساهمت الهجمات التي نفذها حزب العمال الكردستاني على قوات الأمن التركية في العام الماضي في إنهاء وقف إطلاق نار استمر أكثر من عامين بين الحكومة والمسلحين الأكراد، ومنذ ذلك الحين اشتعل الصراع الذي كان خامدا في تركيا ولا يزال ساخنا.
وحثت واشنطن -القلقة من حدوث أي تصعيد- جميع الأطراف على التركيز على "التهديد المشترك" المتمثل في الدولة.
ودعت تركيا إلى وقف إطلاق نيران المدفعية عبر الحدود، كما دعت وحدات حماية الشعب الكردية إلى عدم انتزاع السيطرة على أراض جديدة من جماعات تدعمها تركيا.
وانتقدت تركيا الولايات المتحدة مرارا لموقفها وقالت إن واشنطن يجب أن تعتبر الأكراد السوريين إرهابيين كما هو الحال مع حزب العمال الكردستاني، وأن تتوقف عن دعمهم.
ولم تشرح وحدات حماية الشعب الكردية السورية هدف أحدث تقدم لها. لكن مصدرا قال بيوم 28 كانون الثاني/يناير إنها تخطط للاستيلاء على منطقة حدودية تسيطر عليها الدولة إلى الشرق من أعزاز وهي الجزء الوحيد من الحدود الذي لا يزال في قبضة التنظيم المتشدد.
لكن تقدم وحدات حماية الشعب في أراض تسيطر عليها جماعات معارضة أخرى سيستمر في الوقت الراهن على الأرجح وهو ما يسبب إزعاجا لواشنطن التي تحاول إدارة علاقتها الاستراتيجية مع تركيا وكبح جماح النفوذ الروسي في المنطقة.
وقال المحلل جورجان: "تسعى وحدات حماية الشعب الكردية للتقدم حتى أبعد مدى ممكن، وتركز الآن على تحقيق الاستفادة القصوى من قوتها الدافعة، هذا وضع الولايات المتحدة في موقف سيء للغاية".