المعركة الدائرة في شمال
سوريا اشتدت في الأيام الأخيرة، وأصبحت الأوضاع والتطورات تهدد
تركيا أكثر من أي وقت مضى، بالإضافة إلى تسلل الإرهابيين وإدخال السلاح إلى الأراضي التركية من مناطق تسيطر عليها مليشيات وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يرأسه صالح مسلم، في ظل سيطرة هذه المليشيات المتحالفة مع النظام السوري على مزيد من القرى والمدن بمساندة القصف الروسي الذي يستهدف فصائل المعارضة، وكذلك المدنيين، لتفريغ تلك المناطق من سكانها وتسهيل السيطرة عليها.
مواجهة هذه التحديات والمخاطر التي تحيط بتركيا تتطلب تعزيز الوحدة والتماسك في الجبهة الداخلية قدر المستطاع وترك الخلافات الهامشية، للتركيز على القضايا الكبرى التي تتعلق بأمن تركيا واستقرارها ووحدة أراضيها، وتهدد حاضرها ومستقبلها.
وفي ظل التطورات المتسارعة بالقرب من الحدود التركية الجنوبية، اجتمع رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان مساء التاسع من الشهر الجاري، في مقر إقامته الجديد بالقصر الجمهوري مع خلفه
عبد الله غول، واستمر اللقاء حوالي ثلاث ساعات، ثم التقى غول مساء اليوم التالي نائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينتش في بيته وشارك في اللقاء ثلاثة من الوزراء السابقين، هم حسين تشليك وسعد الله أرغين ونهاد أرغون.
اجتماع غول مع أردوغان أولا ومع أرينتش وثلاثة من الوزراء السابقين ثانيا، جاء بعد انتقادات وجهها أرينتش وتشليك إلى رئيس الجمهورية التركي عبر وسائل إعلام تملكها مجموعة "دوغان" الإعلامية المعارضة للحكومة، وسط تكهنات حول استعداد هؤلاء للانشقاق عن حزب العدالة والتنمية ليؤسسوا حزبا سياسيا جديدا برئاسة عبد الله غول.
عبد الله غول يدرك جيدا أن الظروف الراهنة غير ملائمة لتأسيس حزب سياسي جديد، وأن مثل هذه الخطوة فرصة نجاحها ضئيلة للغاية..
وكذلك الآخرون الذين ينتقدون أردوغان، يصعب انشقاقهم عن حزب العدالة والتنمية الذي شاركوا في تأسيسه، كما أن شعبيتهم في الشارع التركي محدودة. وبالتالي، لا تشكل تصريحاتهم وتحركاتهم تهديدا لأردوغان أو لحزب العدالة والتنمية، إلا أنها تشغل بالتأكيد الرأي العام التركي، في الوقت الذي تحتاج فيه تركيا إلى أكبر قدر من التلاحم والتكاتف. ولذلك كان من الأفضل احتواؤها في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد.
وبعد أسبوع من اللقاء الذي جمع أردوغان وغول، فجَّر رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بايكال، مفاجأة مدوية في برنامج تلفزيوني شارك فيه مساء الاثنين، حيث قال إنه يؤيد قصف المدفعية التركية لمناطق تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية، ولفت إلى أن حلب مدينة سنية تتعرض لمحاولة فرض حصار شيعي عليها ولا يمكن تركها للنظام النصيري.
هذه التصريحات سقطت كقنبلة في الأوساط المقربة من حزب الشعب الجمهوري، لأن رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو ينتمي إلى الطائفة العلوية، كما أن سياسته مؤيدة للنظام السوري.
وكان كليتشدار أوغلو قبل ساعات عدة من البرنامج التلفزيوني الذي شارك فيه بايكال، زار في العاصمة أنقرة السفير الإيراني "علي رضا بيكديلي" الذي شارفت مدته على الانتهاء.
ولعل تصريحات بايكال المفاجئة جاءت بعد أن تيقن الرجل أن حزب الشعب الجمهوري لم يعد ذاك الحزب الذي كان يرأسه، بل بات حزبا آخر يغلب عليه الطابع الطائفي يؤيد المنظمة الإرهابية، ويخدم أجندات قوى خارجية، بعد أن تم اختطاف الرئاسة منه من خلال مؤامرة حيكت حوله لإسقاطه بعد تورطه في فضيحة أخلاقية.
ومن المؤكد أن انحياز بايكال لموقف الحكومة من التطورات الأخيرة في الشمال السوري، سوف يسهم في تعزيز الجبهة الداخلية في تركيا، ويؤدي إلى أزمة في حزب الشعب الجمهوري.
بايكال ليس وحده من يشعر من الزعماء المعارضين بحاجة تركيا إلى الوحدة الوطنية لإفشال المخططات الدولية والإقليمية التي تستهدف أمن البلاد ومصالحها الوطنية، بل انضم إليه رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي ليعلن أنه لا فرق بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.
وفي كلمته أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزب الحركة القومية، انتقد باهتشلي موقف واشنطن من المنظمة الإرهابية، ودعا الحكومة التركية إلى المضي قدما في اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحفاظ على أمن تركيا، ما يعني دعما لموقف الحكومة وإسهاما هاما في تقوية اللحمة الوطنية التي تحتاج إليها تركيا في المرحلة الراهنة.