الظروف الإقليمية والدولية قبل اندلاع ثورات الربيع العربي كانت تجبر
حزب العمال الكردستاني على إعلان وقف إطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة التركية التي أطلقت عملية السلام الداخلي لطي صفحات الصراع الدموي بين قوات الأمن التركية والمنظمة الإرهابية، إلا أن خروج الشعب السوري في جميع أنحاء البلاد لإسقاط النظام غيَّر المعادلة وفتح لحزب العمال الكردستاني مساحة جديدة يمكن أن يتحرك فيها، الأمر الذي دفعه لقلب طاولة المفاوضات وإنهاء وقف إطلاق النار ليعود من جديد إلى شن هجمات إرهابية في الأراضي التركية.
وفي هذه المعادلة الجديدة، قدَّم حزب العمال الكردستاني نفسه إلى الدول الغربية كحليف ورأس حربة في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلاميا بــ"داعش". ولعب ذراعه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم، دورا محوريا في توسيع المنظمة الإرهابية نفوذها في شمال سوريا، من خلال اتفاقيات أبرمها مع النظام السوري وحلفائه من جهة، ومع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى.
وبموجب تلك الاتفاقيات، ترك النظام السوري المناطق ذات الأغلبية الكردية لحزب الاتحاد الديمقراطي ومليشياته المسماة قوات الحماية الكردية بشرط أن تقوم هذه الأخيرة بقمع المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام. ووسّعت هذه المليشيات دائرة نفوذها في الشمال السوري تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة للحرب ضد "داعش"، وقامت بعمليات تهجير قسري وتطهير عرقي في القرى العربية لضم الكانتونات الثلاثة والتمدد نحو الغرب لتصل إلى البحر الأبيض المتوسط لإقامة دولة كردية في تلك المناطق يحكمها حزب العمال الكردستاني.
المنظمة الإرهابية منذ اندلاع الثورة أكبر رابح في سوريا، ولذلك تضع على رأس أولوياتها الحفاظ على المكاسب التي حققتها في الشمال السوري. وهو السبب الرئيس لإنهاء وقف إطلاق النار في
تركيا والعودة إلى الاشتباك مع قوات الأمن التركية لنقل المعركة إلى الأراضي التركية وإبعاد أنقرة عن الملف السوري من خلال إشغالها بمشاكل الداخل.
كان حزب العمال الكردستاني يزعم أنه يقاتل من أجل حصول الأكراد على حقوقهم في تركيا، إلا أنه اليوم يقاتل لهدف واحد فقط، وهو: الحفاظ على حلم إقامة دولة كردية في شمال سوريا، ويرى التدخل التركي المحتمل أكبر عائق أمام تحقيق هذا الحلم، كما أنه ضد تدخل القوات الكردية الموالية للزعيم الكردي مسعود بارزاني في المناطق التي يسيطر عليها الآن في سوريا حتى ينفرد فيها ويحكمها وحده في المستقبل. وبالتالي لا يبالي بحجم خسائره البشرية خلال الاشتباكات مع قوات الأمن في الأراضي التركية ولا يبالي أيضا بتراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، ما دام نجحت خطة إبعاد أنقرة عن التدخل في شمال سوريا.
السياسي الكردي بيرم بوزيال في حوار أجراه معه مراسل الموقع التركي لقناة الجزيرة القطرية، يلفت إلى أن حزب العمال الكردستاني عضو مهم في الجبهة الشيعية وأن إيران تقدم إلى المنظمة الإرهابية دعما غير محدود. وهذه ليست بمعلومة جديدة للمتابعين، وسبق أن لفت إليها أكثر من شخصية كردية ترفض تحالف حزب العمال الكردستاني مع طهران، مثل الناشط الكردي إبراهيم غاباري، الذي تحدث إلى الموقع ذاته، مشددا على أن حزب العمال الكردستاني خرج بحجة الدفاع عن حقوق الشعب الكردي وأصبح أداة بيد أعداء الأكراد، وأن إيران هي التي دفعت المنظمة الإرهابية لحفر الخنادق في بعض المناطق ذات الأغلبية الكردية في المحافظات الشرقية بتركيا لتقاتل ضد قوات الأمن التركية.
شهود العيان من سكان المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة بين عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن التركية يؤكدون وجود أكراد سوريين في صفوف الإرهابيين، كما أن وسائل الإعلام التركية تشير إلى استخدام الإرهابيين خلال الاشتباكات أسلحة قدمتها الولايات المتحدة وروسيا إلى المليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، ما يؤكد تسلل العناصر الإرهابية وتهريب الأسلحة من الجانب السوري إلى الجانب التركي.
قوات الأمن التركية تقوم منذ أسابيع عمليات واسعة لتطهير المناطق التي تسلل إليها الإرهابيون وحفروا فيها الخنادق، وذكر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في حديثه للصحفيين الموافقين له خلال زيارته للعاصمة البريطانية أن العمليات شارفت على الانتهاء، ما يعني أن المنظمة الإرهابية خسرت المعركة. وهي اليوم تراهن على المظلة الروسية لتحمي نفسها من ضربات الجيش التركي في شمال سوريا إلا أن أنقرة لم تقل بعد كلمتها الأخيرة في ذاك الملف.
* كاتب تركي