كتب المعلق غايلز فريزر في صحيفة "الغارديان" تقريرا عن موقف
فرنسا من الدين، يقول فيه: "قامت الشرطة الفرنسية المسلحة يوم الاثنين ودون تحذير بمداهمة معسكر اللاجئين في مدينة كاليه؛ لإنشاء منطقة عازلة بين المعسكر والخط السريع، بعرض 100 متر. وتم خلال العملية هدم كنيسة ومسجد، بالرغم من وعود بألا تمسهما الشرطة، ويأتي ذلك ضمن جهود أوسع من السلطات الفرنسية لنقل اللاجئين على معسكر جديد مؤلف من حاويات مرقمة ومحاط بسياج كبير".
ويضيف الكاتب أن "المعسكر الجديد يساعد الفرنسيين على ممارسة المزيد من الضوابط الإدارية، عن طريق استخدام بصمات اليد التي يتم إدخالها كتصاريح لهم، وهذا يدخل المهاجرين بشكل أكبر في النظام الفرنسي، ويمكن رؤية ذلك على أنه موافقة ضمنية على مسؤولية فرنسا بأن تتعامل مع طلبات اللجوء في فرنسا".
ويتساءل فريزر قائلا: "لكن لماذا لا يريد اللاجئون طلب اللجوء في فرنسا؟ أحد الأسباب هو أن كثيرا منهم يعدون أن لدى بريطانيا تقاليد متجذرة في الحرية الدينية أكثر من فرنسا. وهذا في العادة ما يفاجئ الفرنسيين الذين يفتخرون بعلمانيتهم، وهو مفهوم مقدس لديهم، لدرجة أنه يرد في المادة الأولى في الدستور الفرنسي".
ويشير التقرير في هذا الإطار إلى موقف المدافعين عن
العلمانية قائلا إن "المدافعين عن العلمانية في فرنسا يقولون إنها تضمن عمى الحكومة المنهجي عند التعامل مع الدين، وهو تظاهر رسمي بعدم ملاحظة إن كان الشخص يصلي أم لا، وإن كان يصلي فأين يصلي. أما بالنسبة للمنتقدين فإن هذه الحيادية المفترضة هي في الواقع ليست كذلك، وإنما هي غطاء لاستئصال المظاهر الدينية، وفي الواقع هي الحقوق الدينية، من الحيز العلني. وانتقدت كل من منظمة (أمنستي) و(هيومان رايتس ووتش) هذا الأسبوع الشرطة الفرنسية لانتهاكاتها ضد المسلمين".
وتتحدث الصحيقة عن "تاريخ العلمانية، التي بدأت في فرنسا تبريرا لاستئصال الكنيسة الكاثوليكية، وتضمنت قتل آلاف القساوسة خلال الثورة. وتستمر اليوم كونها غطاء للتمييز ضد المسلمين. وليست صدفة مثلا أن منع لبس الحجاب في المدارس الحكومية، الذي تضمن منع الأولاد اليهود من لبس القلنسوة الخاصة بهم، ومنع الأولاد السيخ من لبس العمامة الخاصة بهم، جاء بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات عام 2002. وبالضبط كما أن عمى الألوان بالنسبة للعرق ليس هو أن يكون الشخص ضد العنصرية. وفي الواقع فإن فلسفة الحياد هذه تمنع الحكومة الفرنسية من أن تجمع إحصائيات عن الدين أو العرق، ولذلك فهي ترفض تقييم أو حتى مواجهة مشكلاتهم. مثلا كم من الفرنسيين من أصل شمال أفريقي يحتلون مناصب عالية؟ ولن تجيب الحكومة الفرنسية عن هذا السؤال، ولن تسأل حتى، كي تتوصل إلى الجواب".
ويعلق الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "هو العمى الرسمي ذاته، الذي قاد الشرطة إلى تدمير مبان في كاليه، دون إدراك أهميتها الدينية. وفي الوقت الذي وقف فيه القس الإثيوبي يحمل صليبا أنقذه من بين أنقاض الكنيسة، قامت الشرطة بالدوس على كل مكان في الكنيسة، وتعاملوا معها بانعدام الشعور ذاته، الذي تعاملوا فيه مع المراحيض المتنقلة التي أزاحوها أيضا. وقد يسخر المبغضون للدين من هذا الكلام، ولكن الإيمان هو أحد الأشياء القليلة التي يستطيع اللاجئون في المعسكر التمسك بها. وعدم ملاحظة هذا لا علاقة له بالحياد".
ويلفت فريزر إلى أن "مصطلح العلمانية قد يعني أشياء كثيرة، فبالنسبة للبعض يعني ببساطة الفصل بين الكنيسة والدولة: لا أساقفة في مجلس اللوردات، ولا امتحانا دينيا لتسلم منصب سياسي.. إلخ، ويعني بالنسبة للبعض الآخر أبعد من ذلك: مسح الدين من المجال العام، وهو فهم شبيه نوعا ما بموقف الفكتوريين نحو الجنس؛ إن كنت تريد فعله، فافعله سرا ولا تتحدث عنه، حيث تتعامل العلمانية مع الدين وكأنه سر يجب الخجل منه، وتتم ترجمة ذلك عمليا بمنع المظاهر الدينية، كالصلاة في العلن، أو التعبير المنفتح عن الهوية الدينية، وهذه الحيادية هي كحيادية الشيوعية في موقفها من الله".
ويفيد التقرير بأنه بحسب بحث أجرته صحيفة "لي جورنال دو ديمانشي"، فإن 56% من المشاركين قالوا إن ردة فعلهم ستكون سيئة إن تزوجت ابنتهم من شاب مسلم، و91% قالوا بأن اليهود في فرنسا "متقوقعون جدا"، و56% قالوا إنهم "يملكون سلطة كبيرة".
ويخلص الكاتب إلى أنه: "واضح أن عمى الحكومة لا يساعد، والعلمانية لا تستأصل
الكراهية الدينية، ولكن في أفضل الأحوال تغطيها، وعلى أسوأ الأحوال تمنحها مبررا".